تمر اليوم الذكرى الـ 93 على انهيار سوق الأسهم الأمريكية، وبدء ما سمى بالكساد الكبير، هو كساد اقتصادى عالمى حاد حدث خلال ثلاثينيات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينيات انطلاقًا من الولايات المتحدة، واستمر الكساد لمدة 10 سنوات، بينما يعتقد البعض أن آثاره السيئة استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية فى عام 1946، وعلى كل تراجعت الأجور فى أميركا بنسب تراوحت بين 40: 60%، وتراجع الناتج المحلى الإجمالى إلى 55 مليار دولار من 103 مليارات، وتراجعت الأسعار بنسبة 10% سنويًا.
تشير تقديرات موقع "ذا بالانس"، إلى أن بداية الكساد الكبير جاءت فى 24 أكتوبر 1929، وفى ذلك اليوم انهارت البورصة الأميركية وتراجعت قيمة الأسهم بأكثر من 23%، مع موجة كبيرة نحو البيع، وكان هذا اليوم هو البداية الفعلية للكساد الكبير.
ماذا حدث؟
القصة يرويها كتاب " الكساد الكبير والصفقة الجديدة: مقدمة قصيرة جدًّا" لـ إريك راشواي، مشيرا إلى أنه بحلول عام ١٩٢٨، أدرك رجال وول ستريت — وأكَّدَتْ صحيفة ذا وول ستريت جورنال ذلك — أنهم يعملون فى "سوق تدرُّ عليهم عمولات أكثر مما تدرُّ عليهم أرباحًا". ومع ذلك، أراد عدد متزايد من الأمريكيين لعب هذه اللعبة المزيَّفة بوضوح، واتجه الناس على نحوٍ جماعى إلى الربح الكبير، آمِلين فى المشاركة فى الدائرة الداخلية. وحتى الخسارة كان يمكن أن تمنحهم الشعورَ بإثارةِ مناطَحةِ كبار المضارِبين.
ولما انتبه الاحتياطى الفيدرالى لزيادة حجم التعامُل فى أسواق الأوراق المالية والزيادة فى الاقتراض من أجل التعامل فى أسواق الأوراق المالية، قرَّرَ رفع تكلفة اقتراض المال؛ وفى يونيو من عام ١٩٢٨ نوَّهَتْ نشرةُ الاحتياطى الفيدرالى عن "حجمٍ غير مسبوقٍ من المعاملات بسوق المال، وارتفاعٍ متواصِلٍ فى أسعار الأوراق المالية"، فى حين "بلغت قروض السماسرة رقمًا لم تبلغه من قبلُ … وواصَلَت الارتفاع". وهكذا بدأ الاحتياطى الفيدرالى فى "سحب الأموال من سوق الأموال".
المضارَبة استمرَّتْ فى الازدهار فى العام الجديد؛ ففى أوائل عام ١٩٢٩ — قبيل تنصيب هربرت هوفر رئيسًا بفترة وجيزة — حذر الاحتياطى الفيدرالى علنًا من أنه لا يريد أن تستخدم البنوكُ أموالَها من أجل «تقديم قروضٍ بضمان أوراقٍ ماليةٍ عاليةِ المخاطر». ورغم استمرار المضارَبة بمعدل مرتفع، فإن الاستثمارات الخارجية للولايات المتحدة لم ترتفع بهذا المعدل؛ حيث بلغ متوسط الأموال التى غادرت الولايات المتحدة سنويًّا فى الفترة من عام ١٩٢٥ إلى عام ١٩٢٨ حوالى ٨٠٠ مليون دولار، ليرتفع إلى ١٢٥٠ مليون دولار فى عام ١٩٢٨، ولكن لينخفض إلى ٦٢٨ مليون دولار فى عام ١٩٢٩، وبلغ متوسط الأموال حوالى ٣٦٠ مليون دولار سنويًّا فى الفترة من عام ١٩٢٩ إلى عام ١٩٣٢ فقد ساعدَتِ السياسةُ النقدية الأكثر إحكامًا التى فرَضَها الاحتياطى الفيدرالى على إبطاءِ خروجِ الأموال الأمريكية إلى البلاد الأجنبية، وبدأت دول مثل ألمانيا — التى اعتمدت على القروض الأمريكية — تشقُّ طريقها بصعوبةٍ فى ظلِّ هذا المعوِّق.
ولم يتبقَّ سوى عددٍ قليل للغاية من الاستثمارات الموثوق بها، وبالرغم من أنه لم يشترِ الأسهمَ فى الواقع سوى عددٍ قليل من الأمريكيين، فقد أصبحَتِ السوقُ ضربًا من ضروب التسلية: مشهدًا مرتَّبًا من دردشة فارغة. وشيوع هذا الحديث فى السوق فى حد ذاته كان تحذيرًا للمطَّلِعين بأنه حان وقت القفز من السفينة قبل فوات الأوان. وقد نصح الخبير المالى جوزيف بى كينيدى — الذى كان قد باع القسم الأكبر من أصوله قبل صيف ١٩٢٩ واحتفَظَ بأمواله نقدًا — صديقه قائلًا: «الأحمق وحده مَن سينتظر أعلى سعر» ودلَفَ الحمقى المدركون لحماقتهم إلى السوق بافتراض استمرار وجود عدد أكبر من الحمقى الذين سيواصِلون شراء الأسهم. وتطلَّبَ الأمرُ خبيرًا محنكًا على دراية بالشخصية القومية الأمريكية ليقرِّر متى سينفد مخزونُ الولايات المتحدة من الحمقى.
بوجهٍ عام، مَن توفَّرت لهم سُبُلُ مغادرة مانهاتن فى الصيف اعتبروا مَن مكثوا هناك حمقى، إلا أنه فى أغسطس ١٩٢٩، وهو الوقت الذى اعتادَ فيه السكانُ الهربَ من حرارة المدينة التى لا تُطاق، ظلَّ رجال المال بالمدينة ليروا ما إذا كان بمقدورهم تحقيق الاستفادة من السوق الآخذة أسعار أسهمها فى الصعود. مكثوا هناك حتى فى عيد العمال، وحتى فى الأيام المرتفعة الحرارة التى تصاعَدَتْ فيها نسبةُ الرطوبة، إلى يوم ٣ سبتمبر الذى شهد ذروة ارتفاع أسعار السوق، ثم أعقب ذلك ببضعة أيام انخفاضُ أسعار السوق بقدر بسيط، وبعد أسبوعين انخفضت الأسعارُ بقدرٍ بسيطٍ آخَر، كما انكسرت حدة الموجة الحارة أيضًا. وسرت الإشاعات بأن المتحكمين بالموقف قرَّروا أن يروا ما إذا كان بإمكانهم أن يُعمِلوا حِيَلهم فى الاتجاه المعاكِس ويخفضوا من أسعار الأسهم، وفى الأسابيع اللاحقة انخفضت الأسعار فى السوق ثم ارتفعت ثم انخفضت مرةً أخرى.
فى صبيحة ٢٤ أكتوبر، سارت الحشود فى هدوء فى شوارع نيويورك باتجاه وسط المدينة حتى وول ستريت حيث تجمَّعوا فى صمتٍ ووقفوا ناظرين إلى بورصة نيويورك، كما لو أن أنشطتَها الصعبة الفهم قد أصبحت واضحةً لهم فجأةً، لتشهد على الكارثة التى هى بصدد أن تلمَّ بهم جميعًا آنذاك. كان ذلك يوم الخميس الأسود؛ ارتفعت أسعار الأسهم فى السوق بعد ذلك، إلا أنها انخفضت من جديد، وقد أعلن عملاق البترول جون دى روكفيلر أنه «لا يوجد فى أوضاع العمل ما يبرِّر الهبوطَ الشديد الذى لحق بالأسعار»، كما أعلن أنه مشغول بشراء الأسهم. ولم يمنع هذا الإجراء أو الإجراءات التى من هذا القبيل الأسعارَ من الهبوط، وبحلول منتصف نوفمبر كان أكثر من ثلث قيمة سوق الأوراق المالية قد تبخَّرَ.
لم يؤثِّر هذا الانخفاض فى القيمة فور حدوثه إلا على قليل من الأمريكيين، إلا أن الآخَرين راقبوا السوق عن كثبٍ، واعتبروا الانخفاض مؤشِّرًا على أقدارهم التى تنتظرهم، حتى إنهم أوقفوا كثيرًا من نشاطهم الاقتصادي. وبوصفه اقتصاديًّا، كتب جوزيف شومبيتر فيما بعدُ: «شعر الناس بأن الأرض تتداعى من تحت أقدامهم.» ولما كان الأمريكيون يواجهون مستقبلًا تكتنفه الشكوك، فإنهم اتخذوا قراراتٍ مهمةً بالإحجام عن الشراء، وعلى وجه الخصوص توقَّفوا عن شراء السلع المُعمِّرة الباهظة الثمن مثل السيارات التى تعلَّموا شراءها بالاستدانة. كان كلُّ توقيعٍ يخطُّه المستهلِكُ على عقدٍ للدفع بالتقسيط يمثِّل تنبُّؤَه بقدرته على السداد فى المستقبل، وفجأةً شعر الأمريكيون بعدم قدرتهم على استشراف المستقبل بالقدر الكافى للتنبُّؤ بتنبؤات سديدة، وفى غضون بضعة أشهر من الانهيار انخفضَتْ عمليات تسجيل السيارات بحوالى الربع عن الرقم الذى كانت عليه فى سبتمبر، وفى عام ١٩٣٠ انخفض الإنفاق على السلع الاستهلاكية المُعمِّرة بنسبة ٢٠ بالمائة، وأغلقَتِ المصانعُ أبوابها وأفلسَتِ البنوكُ، وبلغ معدل البطالة أكثر من ضعف معدله فى عام ١٩٢٩.
فى عام ١٩٣١ زار جون مينارد كينز الولايات المتحدة، وفى محاضرة ألقاها عزا الكسادَ المتزايد الحدة إلى «خبل غير عادي». ويتفق المراقِبون بوجه عام على هذه النقطة: فثمة شخص ما ارتكَبَ خطأً فادحًا، واستنادًا إلى الهيكل المالى العالمى بعد الحرب العالمية الأولى، فإن عنوان هذا الشخص لا بد أن يكون منتهيًا بعبارة "الولايات المتحدة الأمريكية". كان المتهم الرئيسى — آنذاك وفيما بعدُ — هو هربرت هوفر، الذى كتب فى مذكراته مدافِعًا عن نفسه ومتفقًا مع رأى كينز السابق: "كان السبب الأساسى للكساد الكبير حرب ١٩١٤–١٩١٨"، إلا أن فرصة هوفر للهروب من اللوم لم تكن كبيرةً؛ فقبل عام ١٩٣٠ كان جوزيف كينيدى يهاتف أحد مؤيِّدى هوفر ليقول له: "اكتب اسم الرئيس القادم … إنه فرانكلين دى روزفلت".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة