- أغنية البرنامج كتب كلماتها صلاح جاهين ولحنها الموسيقار سيد مكاوى وردداها مع الأطفال
شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».
من ينساها وينسى أو يتوه أو يخطئ صوتها الطفولى المحبب إلى الأذن لحظة إذاعة برنامجها الأشهر فى الإذاعة المصرية «غنوة وحدوتة» عندما ينطلق فى مرح وبهجة وشوق للقاء لجميع أطفال مصر المحتشدين أمام الراديو وقبل أن يسدل الليل بستاره لينساب من الآذان إلى القلب مباشرة « حبايبى الحلوين ... كان يا ما كان يا سعد يا إكرام» ثم تتدفق الأبلة الجميلة فى الحدوتة التى تتفتح معها عوالم من الخيال فى عقولنا الصغيرة وترسم حياة أخرى بعيدة محلقة مليئة بالزهور والأغانى بشخصيات ملائكية لا تعرف الكذب والغش والتحايل، ثم تنتهى أبلة فضيلة بختام الحدوتة بالحكمة أو النصيحة التى كنا نراها وكأنها تعاليم الأبلة التى ينبغى الالتزام بها فى التعامل مع الآخرين ومع الكبار ومع الشارع والحارة.
لم يكذب الشاعر العربى بشار بن برد عندما قال «والأذن تعشق قبل العين أحيانا»... فقد عشقنا صوتها قبل أن نراها، فالصوت كان كافيا للحب ولن تؤثر فيه أو تخدشه الصورة، فقد سكن الفؤاد وملأ جوانبه وأركانه.
أغنية البرنامج الشهيرة وبعد 50 عاما أو حتى 100 عام ستجد من يرددها ويستحضر معها كل الذكريات الجميلة والحنين لأيام ما زالت نقوشها محفورة على جدران سنوات عمرنا: «يا ولاد يا ولاد.. توت توت تعالو تعالو .. توت توت .. علشان ايه علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكى لنا حكاية جميلة وتسلينا وتهنينا وتملينا كمان أسامينا أبلة أبلة فضيلة»
المدهش أن مؤلف الأغنية هو العبقرى صلاح جاهين وملحنها المبدع الموسيقار سيد مكاوى والمدهش أيضا أنهما غناها مع الأطفال فى الأستوديو.
لقد نشأ جيلى- وأجيال عديدة- وعاش طفولته وصباه يستمع إلى برنامج «غنوة وحدوتة» الذى كانت تقدمه أبلة فضيلة، وما زلنا نحفظ كلمات أغنيته ولحنه المميز ونرددها وكأننا قد سمعناها منذ قليل.
الصدفة وحدها كانت وراء لقائى بها ورؤيتها لأول مرة بعد سنوات طويلة من الاستماع إلى برنامجها الأشهر فى مصر وربما العالم العربى. الصدفة كانت قبل حوالى 30 عاما تقريبا.. كنت مدعوا لحضور المؤتمر الصحفى للدورة الثالثة أو الرابعة لمهرجان القاهرة الدولى لسينما الطفل بدعوة كريمة من الأستاذ الكبير الراحل سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائى ورئيس اتحاد الفنانين العرب فى ذلك الوقت.
فى المقعد المجاور لى مباشرة جاءنى صوت لا أخطئه أبدا... ومن يخطئ هذا الصوت الذى تربى عليه خيال ووجدان أجيال كثيرة من أطفال مصر عبر عشرات السنوات.. كان الصوت مثل قطرات المطر فى صيف حار على جسد عصفور صغير فابتل وشرب وانتعش وتهلل.
رحت أتأمل صاحبة الصوت المتفرد على استحياء.. تساءلت فى سعادة غامرة.. معقولة هل هى فعلا أبلة فضيلة؟.. قبل أن أواصل أسئلتى الحائرة ودهشتى وفرحتى المفرطة بسماع الصوت التفتت إلى فجأة وبصوتها المميز والمتفرد الضحوك والحنون قالت لى «أيوه.. أيوه يا ولد أنا اللى فى بالك.. ياترى شكلى حلو ولا هتغير رأيك فيا».. لم أتمالك من فرط جمال اللحظة وجمال صاحبة الصوت وبحركة فجائية وجدتنى أطبع قبلة فوق جبينها.. فضحكت فملأ رنين ضحكتها قاعة المؤتمر ونظر إلى الأستاذ سعد فأشرت إليه بصوت عال «دى أبلة فضيلة يا أستاذ» فضحك بدوره وأدرك سر الضحك بيننا.
عقب المؤتمر الصحفى قلت لها «الآن اكتمل وجه القمر وصوته».. تلك الطفلة الكبيرة التى أسرت خيال ووجدان ووعى ملايين الأطفال عبر أثير الإذاعة المصرية بمئات الحواديت والمعانى الجميلة والأخلاق الرفيعة والقيم الراقية، وتحولت إلى أيقونة الطفولة حتى وهى فى عمرها التسعيني..!
فى يوليو قبل الماضى أعلنت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية عن إطلاق عدد من الجوائز بأسماء كبار المبدعين، منها جائزة أبلة فضيلة توفيق لدراما الأطفال، تخليدا لدورها الكبير الإذاعى والتليفزيونى الذى قدمته للأطفال على مر الأجيال منذ عام 1953 عندما قابلت الرائد الإذاعى بابا شارو -محمد محمود شعبان- رئيس الإذاعة المصرية فى ذلك الوقت واقترحت عليه تقديم برنامج للأطفال، وفى عام 1959 تحقق حلمها بالعمل فى برامج الأطفال بالإذاعة والذى أتاح لها الدخول إلى جميع منازل المصريين سواء عبر برنامج « س و ج»، و«غنوة وحدوتة»، وهى برامج تسكن فى ذاكرة الأجيال المتعاقبة، ولكن ما لم يرو عن أبلة فضيلة هو قصصها فى المحاماة قبل التحاقها بالإذاعة، وأصدقاء الدراسة، وغيرها من الحواديت الإنسانية عن طفولتها.
فى 4 إبريل من عام 1929 ولدت فضيلة توفيق، بالقاهرة فى شارع الملكة نازلة وقتها «رمسيس حاليا» لأسرة مكونة من ثلاث بنات وولد ومن بين البنات الفنانة الراحلة محسنة توفيق والمطربة يسر لأب مصرى وأم تركية تجمع بين الطيبة والحزم، أما عن دراستها بالمرحلة الابتدائية فقد التحقت بمدرسة الأميرة فريال وكانت فى نفس المدرسة الملكة ناريمان التى تزوجها الملك فاروق فيما بعد وأيضا كانت الفنانة الكبيرة فاتن حمامة زميلة لها، وكان والدها سكرتير المدرسة.
وعن نشأتها تقول: «نحن ثلاث بنات وولد ووالدتى سيدة تركية تجمع بين الطيبة والحزم وكانت تقوم بتفتيش حقيبتى المدرسية فإذا وجدت قلما لا يخصنى تسألنى عن مصدره وأذكر فى طفولتى أيضا أننى كنت أجمع جيرانى الأطفال وأقص عليهم القصص والحكايات - كنا نسكن فى شارع الملكة نازلى «رمسيس» وتعلمت فى مدرسة الأميرة فريال وكانت فى نفس المدرسة ناريمان التى تزوجها الملك فاروق فيما بعد وأيضا كانت فاتن حمامة زميلتى وكان والدى سكرتير المدرسة».
التحقت فضيلة توفيق بكلية الحقوق جامعة القاهرة تحقيقا لرغبة أسرتها، وكان من بين زملائها الدكتور عاطف صدقى الذى تولى رئاسة الوزراء فى الفترة بين عامى 1986 إلى 1996 وكان عاطف صدقى يتوقع بعض الأسئلة ويطلب منها وباقى زملائه أن يهتموا بها وعن توقعاته تقول «فضيلة» فى تصريحات صحفية: «من العجيب أننا كنا نفاجأ بها فى الامتحان».
بعد أن تخرجت فضيلة توفيق فى كلية الحقوق عام 1951 نصحها أستاذها حامد باشا زكى بالعمل معه فى مكتب المحاماة، وفى ذلك الوقت كان يتولى وزارة المواصلات، لم تستمر سوى أيام قليلة جدا فى عمل المحاماة، وفى إحدى القضايا التى جاءت للمكتب حاولت فضيلة توفيق الصلح بين الخصوم وهذا الموقف نقله أحد الزملاء للأستاذ حامد فعاتبها بشدة وقال: «مهنتنا تعتمد على الخلافات ولذا فأنت لا تصلحين للعمل فى المحاماة من الأفضل أن تعملى فى الإذاعة، كانت الإذاعة تتبع وزارة المواصلات وقتئذ وللتاريخ – كما تقول-أذكر أننى كنت سعيدة بالعمل فى الإذاعة فى عام 1953 قابلت الرائد الإذاعى بابا شارو- محمد محمود شعبان- وقلت له أتمنى أن أعمل مذيعة للأطفال فأخبرنى أنه يتولى هذا العمل وحده، ثم تم تعيينى بالإذاعة وكنت أقرأ النشرة وتعلمت من حسنى الحديدى كيف أقف وراء الميكرفون ومن يوسف الحطاب التمثيل، فى عام 1959 تحقق حلمى حيث انتقل بابا شارو للعمل فى التليفزيون ومن هنا عملت فى برامج الأطفال فكان برنامج «غنوة وحدوتة»، وتقول أبلة فضيلة» كانت مدة عملى بالمحاماة 24 ساعة فقط».
والطريف أنها رفضت تسميتها بـ«ماما فضيلة» على غرار «بابا شارو» وفضلت عليه «أبلة فضيلة» وقالت: «مابحبش لقب ماما عشان محدش بياخد مكان مامة حد، الأم هى اللى ولدت وتعبت وربت، محدش ياخد منها اللقب، إنما أنا عاوزة أكون أخت الأطفال الكبيرة»..
أول مرتب حصلت عليه كان 12 جنيها، وكان كبيرا بالنسبة لها لدرجة أنها كانت توزع نصفه على الفقراء بالإضافة إلى أنها تزوجت المهندس إبراهيم أبو سريع كبير مهندسى الإذاعة.
بعد ما اشتهرت وأصبح صوتها معروفا وقبل شرائها لسيارة خاصة، كان سائقو التاكسى بعد معرفة صوتها يرفضون الحصول على أجرة منها، فكانت تصر وتقول لهم «خدوا الأجرة وهاتوا بيها حاجة حلوة لأولادكم».
فى برنامج «غنوة وحدوتة» استضافت كبار الشخصيات والمشاهير فى كل المجالات منهم نجيب محفوظ وأنيس منصور والدكتور فاروق الباز ومحمد عبدالوهاب وكامل الشناوى وسيد مكاوى وعبدالحليم حافظ والدكتور يحيى الرخاوى والسيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس الراحل حسنى مبارك، وغيرهم الكثير والكثير من الرموز الفنية والسياسية بما فيهم الوزراء والسبب قيمة ما كانت تقدمه للأطفال التى ساهمت بشكل حقيقى فى تربية وعيهم الوطنى والأخلاقى والاجتماعى.
وفى البرنامج غنى الموسيقار محمد عبدالوهاب بصوته لأول مرة أغنية ست الحبايب وعن استضافتها لموسيقار الأجيال تقول أبلة فضيلة: «استضفت فى برنامجى الموسيقار محمد عبدالوهاب وطلبت منه أن يغنى «ست الحبايب» فقال: لقد غنتها فايزة أحمد بصورة رائعة، وبعد إلحاح من الأطفال غنى على عوده «ست الحبايب» وكان يود ألا تسجل بصوته، وأذكر أن زميلتى العزيزة سامية صادق استضافت ذات يوم فى برنامجها فايزة أحمد وبعد أن استمعت للحلقة اتصلت بها وقلت: خبطة إذاعية هائلة يا سامية لأننى عندما استمعت إلى «ست الحبايب» لأول مرة من فايزة أحمد بكيت برغم أن والدتى على قيد الحياة».
وعن رفض كوكب الشرق السيدة أم كلثوم لإجراء حوار معها قالت أبلة فضيلة فى حوار تليفزيونى نادر: كنت فى ذلك الوقت أعمل فى برنامج «مستقبلى»، استضيف فيه أفضل وأهم الرموز فى المجالات المختلفة مثل الطب والحقوق والموسيقى، والتمثيل، واستضفت عددا من المطربين والملحنين الكبار، من بينهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، حتى يتعلموا منهم، ويقتدوا بهم، وعندما طلبت من أم كلثوم أن تكون ضيفتى رفضت، وقالت لى مازحة «أمشى يا بت، عايزة تجيبنى البرنامج عشان يبقى فيه أم كلثوم تانية، مفيش غير أم كلثوم واحدة بس»، وعندما أطلعتها على موافقة عبدالوهاب واجرائه حوار معى، مزحت «عبدالوهاب بيحبك لكن أنا مش بحبك».
ومن أشهر حكايتها للأطفال، «كوب اللبن»، «بنت الفلاحة»، «الكتكوت الصغير»، «أرنب وتعلب»، «المقشة الصغيرة»، «أبيض وأسود»، «شغل بابا»، «كراسة الرسم»، «القطة مشمشة».
كما قدمت برنامجا آخر بعنوان «مستقبلى»، استضافت فيه أفضل وأهم الرموز فى المجالات المختلفة مثل الطب والحقوق والموسيقى، والتمثيل.
تزوجت من كبير مهندسى الإذاعة المصرية إبراهيم أبو سريع، وظلت تسجل حلقات برنامجها «غنوة وحدوتة» حتى الشهور الأولى من 2007، حيث تميزت بصوتها وأدائها الجميل والبسيط لوصوله مباشرة إلى قلب وعقل الأطفال، خلال سردها الحكايات والقصص التعليمية لهم، لتجذب الملايين منهم، وتساعد الآباء بشكل إيجابى، على ترسيخ القيم والمبادئ التربوية لدى أبنائهم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت «أبلة فضيلة» أشهر مقدمة برامج أطفال.
حصلت على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية.. لكن الوسام الأهم بالنسبة لها هو «وسام القلوب الصغيرة» التى حصلت عليه من ملايين الأطفال المصريين.
وفى نهاية 2014 توقف برنامج غنوة وحدوتة بعد 55 عاما من انطلاقه. وسافرت أبلة فضيلة إلى كندا للإقامة مع ابنتها الوحيدة ريم، حيث عاشت مع أحفادها، وقد حصلت بعدها على الجنسية الكندية، ثم كانت إطلالتها الأخيرة منذ عامين مع الإعلامية المتألقة إسعاد يونس فى برنامج «صاحبة السعادة» وعادت إلى كندا مرة أخرى – كما تقول الإعلامية أسماء حبشى رئيس اتحاد الإعلاميات العرب – وما زالت تعيش مع ابنتها هناك ومع أحفادها ولا صحة لوفاتها ..أطال الله فى عمر « الأبلة فضيلة».
من أشهر شقيقاتها الفنانة المعروفة الراحلة محسنة توفيق لكن لأبلة فضيلة شقيقة أخرى هى المطربة المصرية يسر توفيق التى ولدت فى 29 مارس 1931 بالقاهرة، تعلمت بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بنفس الحى، والتحقت بمعهد الموسيقى حيث تخرجت عام 1953 واعتمدت مطربة فى الإذاعة وسجلت لها عدة أغنيات بالاشتراك مع عبدالحليم حافظ ثم غنت فى فيلم المهرج الكبير من إخراج يوسف شاهين .
اشتهرت خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين عملت ثنائيات غنائية مع الفنان عبدالحليم حافظ من ألحان عبدالحليم على، سافرت ضمن بعثة دراسية من معهد الموسيقى المسرحية وأتمت الدراسة هناك لكنها لم ترجع إلى بلدها وأقامت هناك حيث عملت مذيعة بالقسم العربى بالإذاعة الإيطالية وتزوجت من زميل لها لبنانى الأصل ولها منه ابنة، وتوفيت يسر عن سن 56 عاما ودفنت فى إيطاليا فى 11 يوليو 1987.