كان يوم الأربعاء 31 أكتوبر، مثل هذا اليوم، عام 1956 هو اليوم الثالث فى تطبيق خطة العدوان الثلاثى «إنجلترا وفرنسا وإسرائيل» على مصر، والتى بدأت بغارة إسرائيلية يوم 29 أكتوبر، لكنه كان «أعظم الأيام فى حياة جمال عبدالناصر» حسب وصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «قصة السويس - آخر المعارك فى عصر العمالقة».
يذكر «هيكل»: «كانت الكتائب المصرية فى أبوعجيلة ورفح والعريش تقاتل معركة رائعة، واستطاع موقع أبوعجيلة وحده أن يوقف تقدم اللواء الإسرائيلى المدرع السابع، ويكبده خسائر عالية، واضطر موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى إلى أن يذهب بنفسه إلى قيادة اللواء المدرع السابع ليتعجل قيامه بمهمته، وهى اقتحام أبو عجيلة، بل إن ديان - طبقا لما يقوله هو نفسه فى مذكراته عزل قائدا اللواء السابع وعين قائدا جديدا له».
يؤكد الفريق عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث فى حرب 6 أكتوبر 1973 فى مذكراته «الصراع العربى الإسرائيلى»: «معركة أبوعجيلة تعتبر علامة من علامات حرب 1956، والتى دارت بين حوالى لواء مشاة وأورطة دبابات وبطارية أواثنين مدفعية وبين حوالى 4 لواءات مدرعة ومشاة إسرائيلية تدعمها أعداد كبيرة من المدفعية والطائرات، والتى تمكنت فيها القوة المصرية من الصمود 84 ساعة كاملة، نجح خلالها الجيش المصرى فى سحب معظم قواته من الاتجاه الشمالى إلى منطقة القناة، وعكست الروح الوطنية والقتالية المصرية التى ميزت حرب 1956» .
تؤكد «المجموعة 73 مؤرخين» (إلكترونية)، على بطولة أخرى فى «معركة ممر متلا، والتى بدأت فى صباح31 أكتوبر، وتصفها بأنها من «الانتصارات الباهرة للجيش المصرى، والتى لم تأخذ حقها الإعلامى الحقيقى، وتم نسيانها عن عمد فى إسرائيل لما تحمله له من ألم ومعاناة، فطبقا للرقم الرسمى عندهم تم قتل 38 منهم - اضرب الرقم فى 3 على الأقل - وجرح 120 من جنود النخبة لديهم، وطبقا لمصدرهم الإسرائيلى استشهد فى تلك المعركة 260 جنديا مصريا، وهو رقم مشكوك فيه جدا»، حسب تأكيد المجموعة «73 مؤرخين» وتضيف: «كان الوقت بين الساعة الخامسة والأربعين دقيقة وحتى الثامنة مساء يوم 31 أكتوبر، حيث قام شارون، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد، بإعادة تنظيم قواته مستغلا الظلام، وعلى الجانب المقابل كانت معنويات جنود لواء المشاة المصرى بلغت عنان السماء نتيجة النجاح المتوالى فى صد العدو، إلا أن موقف الذخيرة والمياه قد بلغ درجة الحرج لاستحالة الإمداد بها داخل الممر الذى تنتشر به فلول العدو».
فى الساعة الخامسة وأربعين دقيقة دفع «شارون» بقوة هجوم من أربع سرايا معززة فى مجموعتين، واعتمدت الخطة على حسن استغلال الظلام الذى سيحرم المصريين من إحكام نيرانهم، ورغم ذلك صمد الجنود المصريون، وتشبثوا بمواقعهم، فتحولت المعركة إلى قتال متلاحم استخدمت فيه الأسلحة الصغيرة، و«السونكات» والقنابل اليدوية، وأسرف المظليون فى استخدام النابالم، ثم اشتبك الجميع بالأيدى من حفرة إلى حفرة، قبل أن تضعف كثافة النيران ويقل ضجيج المعركة حتى هدأت فى الثامنة مساء، وتحت ستر الظلام راح المظليون يسحبون قتلاهم وجرحاهم من فوق السفوح وخلف كتل الأحجار ثم جاءتهم أربع طائرات «داكوتا» أمدتهم بالذخيرة والوقود المياه وأخلت ما يزيد على مائة جريح.
تؤكد «المجموعة 73 مؤرخين»، أن تلك المعركة ظلت تؤرق قائدها «شارون» نفسيا وجسديا وحتى موته إكلينيكيا، بعد أن أصيب بطلقة قناص مصرى فى إحدى خصيتيه، وتم نقله داخل إسرائيل وإسعافه وإنقاذه من الموت، أما قواته فظلت فى شرق ممر متلا حتى انسحبت القوات المصرية إلى غرب القناة»
فى نفس الوقت الذى كان يسجل فيه جيشنا بطولاته العظيمة، كان جمال عبدالناصر يعلن رفضه الإنذار البريطانى الفرنسى، وحسب «هيكل»: «كانت السفارة البريطانية فى القاهرة منقسمة على نفسها، كان السفير السير همفرى تريفليان يعتقد أن عبدالناصر سيقاوم إلى النهاية، وكان المستر تريفر إيفانز، المستشار الشرقى يعتقد أن مجرد توجيه إنذار بريطانى فرنسى سيرغم جمال عبدالناصر على التراجع، وإذا أصر على المقاومة فإن المظاهرات ستخرج إلى الشوارع لتسقط النظام المصرى من أساسه، وتجىء بنظام جديد يستطيع البريطانيون والفرنسيون أن يتعاملوا معه».