لا شك أن الصراع الروسي الأوكراني دخل اليوم الأربعاء، مرحلة جديدة، شديدة التعقيد والخطورة، بعد تصديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على انضمام جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك، ومقاطعتي خيرسون وزابوريجيا إلى جمهوريات الاتحاد الروسي، ودخولها تحت مظلة حماية الجيش الروسي، بكل قدراته وإمكانياته العسكرية المتطورة، التي قد تزيد من وطأة الصراع وتسهم في خلق أجواء أكثر اضطراباً في العالم كله، خاصة أوروبا، التي تتأثر بصورة كبيرة نتيجة انقطاع إمدادت الغاز الروسية، واضطراب سلاسل توريد الحبوب والمواد الأساسية من أوكرانيا.
وبدخول المناطق الأربع إلى دول الاتحاد الروسي، تصبح لموسكو سيطرة كاملة ونفوذ حقيقي داخل أوكرانيا، لتصبح هناك حدود وجغرافيا سياسية جديدة، اتسعت خلالها المناطق الجنوبية الروسية، وباتت لها نفوذ وسيطرة أكبر، خاصة أن هذه المناطق أشبه بـ "هلال" ضخم داخل شرق أوكرانيا من شمالها حتى جنوبها، الأمر الذى يرتب أبعاداً سياسية واقتصادية عديدة، أهمها أن هذه المناطق تعتبر نقاط استراتيجية ومراكز صناعية وزراعية غنية بالثروات والمعادن، وبها أكبر محطة نووية لإنتاج الكهرباء في أوروبا "محطة زابوريجيا"، التي تضم 6 مفاعلات لإنتاج الكهرباء بقدرة إنتاج 5700 ميجا وات.
بالطبع سوف يتغير مسار الحرب خلال الفترة المقبلة داخل الأراضي الأوكرانية، فلن تترك روسيا المناطق الجديدة التي خضعت رسمياً تحت سيطرتها، وسوف تتولى الدفاع عنها وحمايتها بكل قوة، ولن تقبل بوجود عناصر أوكرانية عليها، لذلك من المنتظر أن تشهد هذه المنطقة مواجهات دامية، يتم خلالها استخدام أسلحة متطورة، لم تكن تستخدم خلال الأشهر الـ 7 الماضية، وهذا يترتب عليه مستويات كبيرة من الدمار والتخريب للبنية التحتية الأوكرانية، وإنهاك واستنزاف لقوى الجيشين الروسي والأوكراني، فكلما طالت مدة الحرب، كلما كانت التكلفة الاقتصادية والسياسية أكبر.
استكمال إجراءات التعبئة الجزئية وعميات الإمداد العسكري والاحتياجات الفنية والإدارية للوحدات المقاتلة الروسية أوشكت على الانتهاء، لذلك أتصور أن الأيام المقبلة قد تشهد ضربات عسكرية مكثفة تجاه المناطق الواقعة شرق أوكرانيا، من خلال المقاتلات الحربية أو الصواريخ التكتيكية، بالإضافة إلى غزو بري بأعداد كبيرة ناحية القرى والمدن التي حققت القوات الأوكرانية سيطرة عليها في الفترة الماضية، الأمر الذى يزيد من حدة المواجهات ويجعل أخبار الحرب تعود من جديد لصدر الصفحات الأولي للصحف العالمية ووكالات الأنباء والقنوات الإخبارية، بعدما كانت الأمور أكثر استكانة وبلا تطورات جذرية.
أتصور أن روسيا لا تفكر في استخدام الأسلحة الاستراتيجية أو التكتيكية النووية، كما يشيع البعض، بل تحرص على أن تظل الحرب تقليدية، لذلك تدعو باستمرار الولايات المتحدة الأمريكية للتخلي عن دعم كييف بالأسلحة الهجومية متوسطة المدى، وكذلك أنظمة الأقمار الصناعية والحرب الإلكترونية والإنذار المبكر، والمعلومات غير المحدودة عن تحركات الروس على الأرض، لكن أمريكا لن تترك حليفها الأوكراني أعزل في مواجهة الروس، حتى لو ما تقدمه من دعم لن يغير مسار الحرب، لكنه بصورة أو بأخرى استنزاف لقدرات الجيش الروسي، وإن لم يساعد الأوكران على تحقيق النصر، فقد تمنحهم نصف هزيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة