أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أحمد طنطاوى

مال قارون وأصل الفتنة

الإثنين، 14 نوفمبر 2022 09:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلما تعرضت لقصة قارون، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم على نحو من التفصيل والبيان، أتذكر فتنة المال وما يفعله بأصحابه، حتى وإن ظل المال أعظم النعم، خاصة في هذا العصر، الذى صار للمال فيه صوت مختلف وقوة متفردة، لكني أقف دائماً عند مطلع الآية الكريمة "إن قارون كان من  قوم موسى فبغى عليهم"، التي تشير بصورة واضحة إلى أن قارون في بداية حياته كان رجلاً عادياً لم يولد ومعه كل الثروة التي تحدثت عنها الآيات الكريمة في سورة القصص، لكنه بغى وتجبر بعدما تضخم في الغنى وصارت ثرواته لا يقدر الرجال الأشداء على حمل مفاتيح خزائنها.

المال ومنذ قديم الأزل ارتبط بالفتنة، ومن يتأمل قصة قارون يجد فيها من الدروس والعبر ما يكفي، فالمال الذى يفترض أن يصنع لصاحبه الاطمئنان والسكينة والرضا، هو ذاته الذى يتحول إلى باب كبير للفتنة، فأول ما يأخذ المال من صاحبه، فضيلة العفو والتسامح، فيتعلم قسوة القلب، والتكبر والتجبر، ويتنكر لأغلب من حوله.

أظن أن أخطر ما تفعله بنا فتنة المال أنها تأكل التسامح، الذي يعتبر المؤشر الحساس للإنسانية والفضيلة، والفكرة الحاكمة لقبول الآخر والتراحم والسلام الاجتماعي، فيصير الأمر كله إلى منطق القوة والرغبة في إصدار الأوامر والتعليمات، والسعي نحو السيطرة والتجبر، والدعوة إلى الصلف والغرور، والنظر إلى الجميع بمنطق المنفعة والمصلحة، وهذا نراه جلياً واضحاً في عشرات النماذج اليومية التي نصادفها، فيتهافت عليك الجميع عندما يدركون مصالحهم عندك، والعكس تماماً حين تلجأ إليهم.

ما أرى أخطر على مجتمعاتنا من غياب التسامح والرحمة، ولجوء البعض إلى التعامل مع الآخر بمنطق الاستغلال والتسلط، فهذا أكثر ما يشيع الأحقاد والآفات في المجتمع، ويحرك الضغائن بين الناس، بل ويفسد حالة المحبة التي كانت الأصل في التعامل بين الناس والأساس في الاستقرار والترابط داخل المجتمع منذ عصور الجاهلية الأولى، حتى يومنا هذا، لذلك دعونا نعتبر ونقدم الإنسانية على كل شيء، فلو فعلنا هذا لصارت الحياة أفضل والعلاقات أوثق وأقوى، دون أن يتحول كل شيء إلى شكليات فارغة، وهياكل بلا معنى.

نحن في حاجة ملحة إلى نشر المودة والتسامح والتراحم على كل المستويات، خاصة في غمار الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم، دون أن ينظر البعض إلى الموضوع باعتباره تقليدياً أو معلوما بالضرورة أو يتصور أنه كلمات مرسلة دون جدوى ولن تصادف من يقرأها أو يلتفت إليها، فالأمر جد خطير ويحتاج إلى البحث والدراسة والتغلغل إلى الأسباب والتفاصيل للوصول إلى العلاج الفوري.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة