كانت الساعة الثانية و54 دقيقة بعد ظهر 15 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1948، حين ضبطت أجهزة الأمن سيارة جيب محملة بصناديق فى الوايلى، يركبها أشخاص هم، أحمد عادل كمال، طاهر عمادالدين، إبراهيم محمود، وتم ضبط مصطفى مشهور، مرشد الإخوان فيما بعد، قريبا من السيارة يحمل حافظة من الجلد بداخلها أوراق، وفقا للمستشار عصام حسونة فى مذكراته «شهادتى» وكان وزيرا للعدل من سبتمبر 1965 إلى مارس 1968.
كان حسونة وكيلا لنيابة السيدة زينب بالقاهرة وقتئذ، وممن قاموا بالتحقيق فى هذه القضية المعروفة باسم «العربية الجيب»، ويؤكد: «تعتبر أخطر قضية سياسية فى العهد الملكى، فضبطها كشف أسرار أخطر تنظيم سرى عرفته مصر، وأعنى به التنظيم السرى لجماعة الإخوان، ويذكر، أن المضبوطات التى كانت فى السيارة هى متفجرات وأسلحة عبارة عن لغم وكميات كبيرة من المواد الناسفة، وقنابل، ولفافات من فتيل الإشعال ومدفع ستن وثلاثة خزانات للمدفع و27 مسدسا، و4 خناجر وعدد كبير من الطلقات النارية والمتفجرات الكهربائية والطرقية، و6 ساعات زمنية وقناع أسود».
يضيف حسونة: «كانت الأوراق التى ضبطت أكثر خطرا من الأسلحة، إذ كشفت خطط التنظيم السرى للجماعة، وأفضت إلى ضبط قياداته، وكان من بينها أوراق محررة بخط اليد بعنوان «قانون التكوين»، تتضمن بيانات عن كيفية تكوين وتنظيم الجماعة على نظام الخلايا من هيئة وقيادة وأركان وجنود، وأوراق كثيرة منها ما يحوى تعليمات عن كيفية تعقب الأشخاص وما يتعين توافره فى الشخص المتعقب من سرعة الملاحظة والاستنتاج والتنكر».
وضبطت أوراق تقول: «إن القتل الذى يعتبر جريمة فى الأحوال العادية، يفقد صفته هذه ويصبح فرضا واجبا على الإنسان إذا استعمل كوسيلة «لتأمين الدعوة»، وأوراق تتحدث عن اليهود والنصارى وتحذر من «خدعة أنهم ذموين، وأن إعلان حرب نظامية ليس فى مقدور أعضاء الجماعة الآن، وأن عليهم ألا يترددوا فى اغتيال أعداء رسول الله، وأنه من التنطع تقديس المرأة بلا قيد ولا شرط، وأن من سياستنا من يجب استئصاله وتطهير البلاد منه، فإن لم توجد سلطة شرعية تصدهم، فليتول ذلك من وضعوا أنفسهم جنودا للحق، وأن الإسلام يتجاوز عن احتمال قتل المسلمين إذا كان فى ذلك مصلحة، وأن من يناوئ الجماعة، أو يحاول إخفات صوتها مهدر دمه وأن قاتله مثاب على فعله».
يؤكد حسونة: «كان من المضبوطات فى السيارة كراسة تحتوى على بيانات عن أماكن بمدينة الإسماعيلية، ذكرت فيها أقسام البوليس وكيفية نسفها، واغتيال ضباطها وجنودها وقطع الأسلاك التليفونية، وفى الحافظة التى تم ضبطها مع مصطفى مشهور كان فيها أوراق عن برامج الدعاية الخارجية والداخلية، وأنها تستلزم تعيين مندوبين فى البلدان الخارجية، وثلاث ورقات عن الإعانات والتعويضات والتهريب، فيها بيان عن وسائل التهريب بطرق المواصلات من طائرات وسفن وسيارات وقوافل، وعن البضائع المهربة والعملة الصعبة، وأنه يتعين تهيئة أشخاص للعمل فى بعض الأماكن والشركات، والاشتراك فى أسهم الشركات أو تأسيسها للعمل فى مناطق الموانئ».
وفى حافظة «مشهور» تم ضبط ورقتين من أوراق مطار ألماظة الذى يعمل به، وقرر أنهما محررتان بخطه، وتضمنت طريقة تخريب المطار تفصيلا، وتقريرين عن حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية، ومحررين عن حزب مصر الفتاة من إعداد مخابرات التنظيم المختصة بالتجسس على الشخصيات المصرية العامة وعلى الأحزاب، وتقارير عن البنك الأهلى وفروعه ونظام حراستها، وطريقة مهاجمتها بواسطة أشخاص مسلحين بمدافع تومى وقنابل يدوية».
يكشف حسونة، أن نصيبه فى التحقيقات بالقضية كان ما جاء فى المستندات المضبوطة عن المحلات التجارية، التى يملكها اليهود فى وسط القاهرة، فى شوارع النيل وشريف وعماد الدين، وتقاريرها عن مبانى السفارات الأجنبية وعن قصور وبيوت الشخصيات العامة والسياسية فى مصر، فضلا عن أوصافهم الدقيقة وعاداتهم.
يؤكد حسونة، أن التحقيق فى ذلك اقتضى منه جهدا مضنيا، ويتعجب من نتائجه قائلا: «كنت أمر على المحلات المشار إليها محلا محلا، كان بعضها يحمل أسماء يهودية صريحة، وبعضها يحمل لافتات بأسماء مسلمة أومسيحية، فكنت أحقق فى الأمر وأنتهى إلى دقة تقارير التنظيم السرى، وتبين أن ملاك هذه المحلات يهود يتخفون لأسباب ما، وراء أسماء مسلمة أو مسيحية، كذلك فإن مخابرات التنظيم كانت تتسلل إلى داخل قصور كبار الشخصيات العامة، فتصفها حجرة حجرة وركنا ركنا، وتصف صاحب القصر وصفا شاملا دقيقا، سنه وطوله، وتتابعه إلى أماكن لهوه السرية التى لا يعرفها أحد، وكان قصر عدلى يكن باشا، وقصر شريف صبرى باشا من بين هذه القصور التى شملها تحقيقى، فثبت دقة ما أوردته مخابرات التنظيم عنهما».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة