كانت الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباح 13 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1977، حين وصل أول وفد إسرائيلى إلى مطار القاهرة الدولى منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، حسبما تذكر الأهرام يوم 14 ديسمبر 1977، وكانت بعد أقل من شهر من زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل فى 19 نوفمبر 1977.
حضر الوفد الإسرائيلى للمشاركة فى المؤتمر، الذى يعرف تاريخيا باسم «اجتماع مينا هاوس»، وكان تحضيريا لمؤتمر جنيف لبحث مشكلة الشرق الأوسط، وأعلن السادات عن عقده فى خطابه أمام مجلس الشعب فى 24 نوفمبر 1977 على أن تحضره مصر وإسرائيل وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن وأمريكا والاتحاد السوفيتى والأمم المتحدة، وتحدد له من 14 إلى 17 ديسمبر 1977، وفقا للدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشؤون الخارجية وقتئذ فى كتابه «طريق مصر إلى القدس».
لم تكن هناك أى علاقات رسمية ودبلوماسية تربط مصر بإسرائيل، بالرغم من زيارة السادات، ووجود بطرس غالى نفسه أمام مشكلة توجيه دعوة إلى إسرائيل لحضور المؤتمر، ويكشف أنه تغلب عليها بأن اتفق مع الدكتور عصمت عبدالمجيد، مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة، الذى اختير رئيسا لوفد مصر فى المؤتمر ورئيسا له، بأن يدعو سفير هولندا بالأمم المتحدة إلى مقر بعثته كلا من عبدالمجيد و«حاييم هرتزوج» مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة، وخلال هذه المناسبة يقدم عصمت الدعوة إلى «هرتزوج».
فى هذه الأجواء، جاءت زيارة الوفد الإسرائيلى، وكان الاهتمام بها يفوق الاهتمام بالمؤتمر الذى كان على مستوى الخبراء فقط، أما زيارة الإسرائيليين فتأتى بعد سنوات عداء وحروب منذ عام 1948، وتذكر الأهرام، أن الوفد الإسرائيلى ضم مدير مكتب مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل «إلياهو بن اليسار» الذى أصبح أول سفير لإسرائيل بمصر من 1980 إلى 1981، ومائير روزين المستشار القانونى للخارجية الإسرائيلية، والجنرال إبراهام تامير رئيس هيئة التخطيط بالجيش الإسرائيلى، ورافق الوفد مجموعة عمل تضم 27 عضوا و31 صحفيا، وحمل الوفد طائرة مكتوب عليها «السلام» بالعربية والعبرية.
تنقل الأهرام مشاعر الإسرائيليين حين وجدوا أنفسهم فى القاهرة، وتذكر أن طاقم الطائرة البوينج 707 ثلاثة رجال كانوا أسرى فى القاهرة خلال حروب 1956 و1967 وحرب الاستنزاف.. تضيف: إن قائدها الكابتن «يائير باراك» كان يتصل بصفة دائمة بالإذاعة الإسرائيلية بلهجة فرحة، قائلا: «هانحن فى القاهرة، الطائرة الآن تدور على ممر الهبوط، إننا نرى الناس الذين ينتظرونا، ولكننا للأسف لا نرى أية أعلام إسرائيلية فى المطار».
تذكر الأهرام، أن «بن اليسار» أول من هبط من الطائرة ثم الدكتور مائير روزين، ثم الجنرال إبراهام يائير، ثم حملت طائرة هليوكبتر الوفد الإسرائيلى إلى «مينا هاوس» على مسافة 25 كيلومترا من المطار، ووصل الوفد فى الساعة العاشرة والربع، وكان فى استقباله عصمت عبدالمجيد، ومن تل أبيب اتصل بيجين مع «بن اليسار» الذى أبلغه بالترحيب بالوفد الإسرائيلى.
فى فندق «مينا هاوس» تجمع نحو 60 صحفيا يمثلون وسائل الإعلام العالمية، يسجلون الحدث لحظة بلحظة، حسبما تذكر الأهرام، وتضيف أنه فى الساعة الثانية عشرة ظهرا نزل رئيس الوفد الإسرائيلى إلى أرض «مينا هاوس»، وتجمع حوله الصحفيون وحاول عدد منهم الحصول على تصريحات منه، لكنه قال: سنتكلم فيما بعد، وسأله مراسل إذاعة سى.بى.سى عن شعوره فى القاهرة، فقال: «رائع»، وكان يشاهد من غرفته أهرامات الجيزة.
كانت الأهرامات السبب الذى دفع بطرس غالى إلى اختيار «فندق مينا هاوس»، مكانا للمؤتمر.. يذكر: «كنت أعرف أن التاريخ والثقافة العبرية يلعبان دورا أساسيا فى الصورة التى تحرص إسرائيل على أن تبدو بها، وعقد هذا الاجتماع إلى جانب الأهرامات سيؤكد غنى التاريخ المصرى الذى لا مثيل له، والذى لا يستطيع الإسرائيليون أن يتجاهلوه، وتذكرت جملة كتبها المؤرخ البريطانى أرنولد توينبى «يبدو كأن الأهرامات تقول: لقد كنا هنا قبل مجئ النبى إبراهيم»، وهى رسالة أردت أن أبلغها للإسرائيليين فى مينا هاوس، ولكن هذه الاعتبارات التاريخية كانت بعيدة عن تفكير رجال الأمن، الذين اعترضوا بشدة على اختيار مينا هاوس، وتحدثوا معى طويلا وبالتفصيل عن المخاطر، ولكنى تمسكت برأيى ».
بدأ المؤتمر فعاليته يوم 14 ديسمبر 1977 وحضره مصر وإسرائيل وأمريكا فقط، ورفض الباقى، وهو ما يدفع البعض إلى تحميل منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية إضاعة فرصة تاريخية للسلام بعدم حضورها، لكن بطرس غالى نفسه يتحفظ على هذا الكلام فى كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط - شهادات للتاريخ »، قائلا: «قدرت فى هذا الوقت، أنهم برفضهم المشاركة فى هذا المؤتمر التمهيدى، أضاع الفلسطينيون فرصة تاريخية لإقامة اتصالات حتى ولو غير مباشرة مع الإسرائيليين، ولكن بالنظر إلى هذه الفترة بعد مرور الوقت، يجب أن أعترف بأنه لو كان الفلسطينيون قد قبلوا، فإن الإسرائيليين هم الذين كانوا سيرفضون المشاركة فيه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة