سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 15 ديسمبر 1967.. حوار ساعة ونصف الساعة بين طه حسين والمستشرق الفرنسى جاك بيرك عن فلسطين والهلاليين وسارتر

الخميس، 15 ديسمبر 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 15 ديسمبر 1967.. حوار ساعة ونصف الساعة بين طه حسين والمستشرق الفرنسى جاك بيرك عن فلسطين والهلاليين وسارتر طه حسين
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب المستشرق الفرنسى الشهير جاك بيرك إلى لقاء عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين، فى فيلته «رامتان»، واستمر الحوار الفكرى بينهما أكثر من ساعة ونصف الساعة، نصفه بالفرنسية ونصفه الآخر باللغة العربية الفصحى، وفقا للمقتطفات التى نشرتها الأهرام فى نصف الصفحة، 15 ديسمبر، مثل هذا اليوم،1967. 
 
 كان «بيرك» مؤرخا وأستاذا للدراسات الإسلامية والعربية بجامعة السوربون، وولد فى الجزائر عام 1910، وتوفى بفرنسا عام 1995، وتذكر الأهرام أنه أقام فى مصر بين عامى 1952 و1955، حيث كان يدرس أحوال القرية المصرية، متخذا مقر عمله مركز التربية الأساسية فى سرس الليان، وأصدر بعدها دراسة مهمة عن التاريخ الاجتماعى للقرية المصرية، كما كتب بحثا عميقا، يعتبر محاولة جادة لإعادة النظر فى تحليل تاريخ مصر منذ أيام الاحتلال البريطانى حتى أيام ثورة 23 يوليو 1952، كما أنه معروف بمواقفه الجريئة المؤيدة للقضية الفلسطينية.
 
ارتبط «بيرك» بعلاقة صداقة مع عميد الأدب العربى، وتصف سوزان طه حسين فى مذكراتها «معك» ترجمة «بدر الدين عرودكى»، علاقتهما بأنها «كانت شيئا غير عادى»، وأن «بيرك» واحد من الذين يجدون طه فى حقيقته إنسانا جديرا بالحب.. وتضيف:  «منذ أن لم يعد طه موجودا، فإنه يعرض رأيه فيه بأجمل أسلوب، مُعرفا به بشكل أفضل وبتوضيح أوسع».
 
جاء لقاء «طه وبيرك» بعد ما يزيد عن ستة أشهر من العدوان الإسرائيلى يوم 5 يونيو 1967، ولهذا فرض الحدث نفسه على اللقاء الذى تناول قضايا فكرية وثقافية وسياسية، من بينها تصريحات قالها «روتشيلد» ذكر فيها «أن الوطن الإسرائيلى أحب إليه من الوطن الفرنسى»، علق طه: «أنا لا أظن أن هناك خيانة أكبر من هذه الخيانة».. رد بيرك: «تصريحات روتشيلد يجب أن يستغلوها العرب لمصلحة قضيتهم. إن الصهيونية قامت على خديعة كبرى، وهى أنها حولت الشعور الدينى إلى تعصب قومى توسعى، وهذه قومية مستوردة ودخيلة على المنطقة، كما أن هذه القومية أخذت مكانها رويدا رويدا فى استراتيجية الإمبريالية الأمريكية، والواقع أن القضية فى حقيقتها ليست قضية إقليمية بين العرب واليهود، إنما بين حركة التحرر الحالية والاستعمار القديم والجديد».
 
يطرح طه سؤالا ويجيب عليه بنفسه، قائلا: اليهود يعلنون باستمرار أن فلسطين كانت وطنهم منذ آلاف السنين، فهل صحيح أن اليهود الذين يعيشون الآن هم بنو إسرائيل؟.. يجيب: الذى أستطيع أن أؤكده هو أن اليهود يتحدثون عن التوراة، ولا أعرف كتابا ذكر اليهود بالشر مثلما ذكرتهم التوراة، أين هم بنو إسرائيل الحقيقيون الآن؟ إنهم غير موجودين، وأنا لا أعتقد أن هناك يهوديا واحدا من بنى إسرائيل يعيش الآن على ظهر الدنيا».
 
يطلب «بيرك» أن يسمع من عميد الأدب العربى، وهو يتحدث بالعربية، ويسأله عن مشروعاته الجديدة، فيبتسم طه قائلا بالعربية:  «أكمل الآن الجزء الثالث من «الفتنة الكبرى»، ثم ينتقل الحديث إلى الأدب العربى، ويبرز سؤال: ما هو موضع الأدب العربى من الآداب العالمية؟ يرد طه: أستطيع أن أؤكد أن الأدب العربى القديم وصل إلى العالمية المطلقة، كان ذلك فى القرون الأربعة أو الخمسة الأولى من الهجرة، والعالم الذى كان يريد أن يكون متحضرا عليه أن ينقل عن العرب، ولكن الترك والاستعمار التركى- قبحه الله- هم الذين فرضوا الانحطاط والعزلة على العرب والأدب العربى».
 
يسأل طه: «ما هى مشروعاتكم الحالية؟ يجيب «بيرك»: أنا الآن فى القاهرة لإلقاء محاضرات على طلاب جامعة عين شمس، ولدى مشروع جديد لإعداد دراسة عن «حى الجمالية» فى القاهرة، ودراسة أخرى عن «الهلاليين» فى مصر، يعلق طه: أذكر أيضا أنه فى إقليم المنيا بصعيد مصر توجد بلدة اسمها بنى نيزار، وهو الاسم العربى، ومن القرى المحيطة قرية اسمها القيس، والقيس قبيلة هلالية فرع من قبيلة بنى نيزار العربية، ورغم كل هذا، فإن من يزعمون أنهم مثقفون فى هذا البلد يصرون على تسميتها بنى مزار».
 
يسأل «بيرك»: ما هو موقفكم الآن من أمرئ القيس، هل ما زال كما هو؟ يجيب طه: هو هو لم يتغير.. ويلقى طه أبياتا من الشعر الجاهلى لا تزال ذاكرته تعيها، ويستأنف حديثه قائلا: ابن خلدون كان سببا فى خطأ شاع فى تاريخ الأدب العربى، عندما قال: «القرآن عندما نزل أسكت الشعراء فلم ينطقوا شعرا»، وهذا خطأ من ابن خلدون، فهناك شعراء جاهليون أسلموا، وشعرهم فى غاية الروعة والجمال.
 
يختتم الحوار بالحديث عن الفيلسوف الفرنسى الشهير سارتر.. يقول طه: مواقف سارتر السياسية غير مفهومة، وأذكر أنه قابل الرئيس جمال عبدالناصر ومكث معه ثلاث ساعات.. رد بيرك: سارتر أعجب بالرئيس إعجابا مطلقا، ولكن مشكلة سارتر أنه ليس سياسيا بالدرجة الأولى، ومن الخير له أن يتجه إلى الأدب فهذا هو ميدانه العظيم، وعلى العموم فإن موقفه الآن تغير بعد حرب 5 يونيو 1967.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة