بعد مشاركة قياسية لـ 49 زعيما وقائدا أفريقيا في القمة الثانية الأمريكية الأفريقية، وفى ظل رغبة واضحة من قبل الولايات المتحدة لإنجاح هذه القمة، اختتمت هذه القمة أعمالها، ليكون السؤال الأهم الآن ما هي المخرجات والتوصيات والقرارات لتقييم النجاح من عدمه؟
وإذا كان النجاح يُقاس بجدية وحجم التوصيات والقرارات، فإن التطبيق الفعلى هو الأهم لأننا في ظل عالم يحكمه المصلحة ويعانى من ازدواجية المعايير وهيمنة قوى عظمى بعينها وتعامل سلبى تجاه قضايا مهمة خرجت لها توصيات وقرارات من المجتمع الدولى، لكنها لم تنفذ وظلت في إطار الوعود حتى الآن رغم أن عمرها عقود طويلة وليس القضية الفلسطينية ببعيد.
وعلى أية حال، فإن مخرجات القمة "الأمريكية الأفريقية" تبعث عن تفاؤل كبير في ظل تنافس دولى، لذلك فإن تعهد الولايات المتحدة بتقديم 55 مليار دولار من الاستثمارات على مدى السنوات الثلاث المقبلة ووضع أكثر من 15 مليار دولار في الشراكات الاستثمارية، والتوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم باستثمارات تصل إلى حوالى ثلاثة ونصف مليار دولار، إضافة إلى تأكيد بايدن على أن يكون لإفريقيا مقعد فى مجموعة العشرين ابتداءً من الاجتماع المقبل للمجموعة المقرر عقده فى العام القادم 2023، ودعم أن يكون لإفريقيا مقعداً فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى تعهدات بدعم مادى كبير فى مجالات قضايا المناخ والطاقة والأمن الغذائى والصحة والتعليم والتجارة والتنمية.
لذلك، فإن كل هذه التوصيات والوعود محل تقدير، خاصة أننا نرى أن القمة مختلفة عن سابقتها في 2014 لأنها لم تقتصر على المنح والمساعدات، وسبب هذا ليس من أجل عيون أفريقيا، إنما رغبة من الولايات المتحدة في إظهار قدراتها أمام الصين، الذى يعد الدائن الأول لأفريقيا والشريك التجارى الأكبر للقارة السمراء، وكسب القارة في صراعها مع النفوذ الروسى خاصة في الحرب الأوكرانية، لذا فإن هذا الاختلاف بمثابة نجاج للقمة ويساهم في تحقيق القرارات التوصيات وتحويل الوعود المليارية إلى تطبيق فعلى.
وكما ذكرنا أن الأهم هو التطبيق الفعلى، لذلك فإن هذه الوعود ستحتاج إلى مرحلة اختبار وبرهنة من قبل الولايات المتحدة بأن تأتى هذه الوعود والتوصيات في إطار الاستراتيجية الوطنية، ولست في إطار استراتيجية الإدارة، حتى لا يتم إلغائها أو العدول عنها من قبل الإدارة الجديدة، أما الإشكالية الثانية، أن دول الاتحاد الأفريقى لا تشكل كتلة واحدة متجانسة إضافة إلى الصراعات السياسية الذي تشهده عدة دول بها، الأمر الذى يحتاج إلى تهيئة للأجواء في القارة من الناحيتين الأمنية والسياسية، وهو بمثابة تحدى آخر يقابل تطبيق هذه التعهدات في المستقبل.
ورغم هذه الإشكاليات، فإن هناك بواعث أمل، على رأسها مشاركة مصر، التي كانت مشاركة فعالة على كافة المستويات، فيكفى أنها مكنت من عرض الرؤية المصرية المتكاملة للتعامل مع أزمة الغذاء، والتأكيد على مجموعة من المبادئ الواجبة التنفيذ من أهمها تخفيف أعباء الديون الخارجية لدول القارة وتكثيف الاستثمارات الزراعية الموجهة لإفريقيا وتعزيز التكامل بين دول القارة والارتباط الوثيق بين الأمن الغذائى والأمن المائي، بالإضافة إلى جهود التكيف المناخى وضرورة الالتزام بمخرجات قمة شرم الشيخ للمناخ، مع تأكيد استعداد مصر لمشاركة تجربتها مع دول القارة فيما يتعلق بتعزيز أمن مصر الغذائي والبنية التحتية.
والمقدر أيضا نجاح مصر في استثمار المشاركة فى عقد العديد من اللقاءات مع المسئولين الأمريكيين وبعض المؤسسات المهمة من دعم العلاقات الإستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فى كافة وبحث القضايا الرئيسية والمطالبة بضرورة التوصل إلى حلول سياسية لتحقيق الإستقرار فى منطقة الشرق الأوسط مع التركيز على قضايا السد الإثيوبى والقضية الفلسطينية والأزمة الليبية بإعتبار أن هذه القضايا هى من أولويات الأمن القومى المصري.
وأخيرا، فإن هذه القمة والمشاركة المصرية الفعالة بمثابة نقلة نوعية للعلاقات بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية من جهة وبين الولايات المتحدة والدولة المصرية من جهة أخرى..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة