تخطو مصر قدمًا نحو خريطة استثمارية لتوطين الصناعات المحلية تقودها المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية "ابدأ"، برغبة مقصودة في تحقيق استثمارات ذات منفعة اجتماعية وبيئية قابلة للقياس، تعالج مشكلات الصناعة المصرية، وتخلق فرصًا جديدة للنمو، وتدفع عجلة الاقتصاد المصري نحو الأسواق العالمية.
الاستثمار في الأثر
كشفت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أنه يقصد بالاستثمار في الأثر توليد وإحداث آثار مستدامة اجتماعية وبيئية بنسب يمكن قياسها من عوائد وأرباح الاستثمار المالي، ويشمل الاستثمار في الأثر مختلف أنواع المشروعات (استراتيجية، قومية، صغيرة، متوسطة، وغيرها) باختلاف حجمها أو قطاعها الاقتصادي (حكومي، خاص، غير هادف للربح،… وغيره).
وتتعدد أنماطه وأشكاله، فمنها ما هو مباشر مثل تقديم الدعم (المالي، واللوجستي، والتدريبي، والرقابي، والاستشاري،.. وغيره) ومنها ما هو غير مباشر مثل الصناديق المخصصة لتقديم مختلف أنواع الدعم المشروط كالقروض المضمونة، أو غير المضمونة، أو المشروطة بحقوق الملكية، أو حقوق الانتفاع، أو باحتساب حصة محددة من الإيرادات، وغيرها.
بشكل عام، تنفذ المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية “ابدأ” ستة ممارسات للاستثمار في الأثر تبدأ بالتمكين وتنتهي بالتمويل، على النحو التالي
● التمكين بالبحث والتطوير: وهو أحد أهم مسارات “ابدأ” لدعم توطين الصناعة، ويتركز هذا المحور في المبادرة على بحث مشكلات المصانع المتعثرة؛ لإيجاد أنسب الحلول بطرق علمية وعملية حديثة وبأقل تكلفة ممكنة، كذلك تطوير وتحديث الصناعة من خلال توظيف التكنولوجيا المتطورة، وتطبيق المعايير الدولية المعتمدة في قياس الجودة.
● الحوافز الضريبية (أو الإعفاء الضريبي المشروط): حيث تقدم المبادرة عددًا من الحوافز والتسهيلات، كتوفير مساحات لبناء المصانع بنظام حق الانتفاع، أو اتاحة الإعفاء الضريبي لمدة قدرها خمس سنوات. تسهم هذه الإجراءات في تعزيز الاستثمار الدولي والمحلي في قطاع الصناعة.
● بناء بيئات العمل: تقدم “ابدأ” الدعم الفني والاستشاري لكافة أنواع المصانع، وتساعد المصانع المخالفة والمتعثرة في استصدار التراخيص وأوراق الثبوتية اللازمة لاستدامة هذه المصانع وتقنين أوضاعها، كذلك تدعم المبادرة تطبيق معايير جودة المؤسسات والشركات والمصانع وفق المعايير والاشتراطات الدولية، بما يسهم في اعتماد المنتجات الصناعية المصرية وزيادة معدلات تصديرها للأسواق العالمية.
● دعم بيئات العمل: بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب كشريك استراتيجي بهدف متابعة المشروعات والمصانع، ورفع كفاءة العمالة بها عبر توفير التدريب الفني والمهني وخاصة في المصانع المتعثرة، كذلك مراجعة التخصصات المهنية والمهارات الدولية والكفايات الفنية العالمية ومقارنتها بالواقع المصري لسد أي فجوات مهارية، بما يسهم في مزيد من فرص العمل اللائق ذي العائد المادي المناسب، والذي يضمن حياة كريمة للعامل المصري، ويعيد صياغة النظرة المُجتمعية للعمالة المصرية.
● دعم البنية التحتية للاستثمار: يدعم ارتباط المبادرة بالمشروع القومي “حياة كريمة” تعزيز البنية التحتية للاستثمار في قطاع الصناعة، حيث تكثف الجهود بالتنسيق مع فرق العمل بمؤسسة حياة كريمة المنتشر في ربوع قرى ومراكز مصر بما يحقق مزيدًا من الدعم المتعلق بالبنية التحتية الأساسية كتوفير المرافق لتوطين الصناعات عبر الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، وتذليل كافة العوائق التي تحول دون استدامة بعض الصناعات القائمة والمستحدثة.
● التمويل بأنواعه (المباشر وغير المباشر): تقدم المبادرة الدعم المالي عن طريق التمويل المباشر وغير المباشر من خلال: تعزيز الشراكات المحلية والدولية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، أو اقامة المجمعات الصناعية أو الانتقال لها وفق محددات واشتراطات ومعايير معينة.
استثمارات "ابدأ" في الأثر
يختلف الاستثمار المؤثر عن المسؤولية الاجتماعية (CSR)؛ كونه يتخطى مفهوم العمل الاجتماعي، ويستهدف تحقيق استدامة اجتماعية وبيئية انطلاقًا من رؤية مصر 2030، واتساقًا مع أهداف التنمية المستدامة، وهو ما تحققه بالفعل استثمارات مبادرة “ابدأ” على النحو التالي:
● الاستثمار الاجتماعي: يقدر إجمالي الاستثمارات الاجتماعية في العالم نحو ٢.٣ تريليون دولار أمريكي، وهناك 50٪ من أنشطة الاستثمار الاجتماعي العالمي تتركز في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بينما يبلغ إجمالي الاستثمارات الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو ١٪ فقط. لذلك مما لا شك فيه أن مبادرة “ابدأ” وممارساتها ذات الأثر الاجتماعي عبر التدريب والتأهيل المهني ستسهم في زيادة معدلات الاستثمار الاجتماعي، ما يعني تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالقضاء على الفقر، والهدف الثامن المتعلق بتوفير العمل اللائق والنمو الاجتماعي.
● الاستثمار ذو الأثر البيئي: أن تعمل “ابدأ” وفق رؤية مصر 2030 والالتزامات الدولية لهذه الرؤية هو ترجمة فعلية نحو زيادة معدلات الاقتصاد الدائري ذي الأثر البيئي، والذي يمكن قياسه بحجم النفايات الصناعية وحجم الاستثمار ذي (صفر هدر/ صفر نفايات)، كذلك حجم الموارد الخام المعاد تصنيعها، أو المعاد تدويرها، علاوة على مقاييس البصمة الكربونية، وكمية الانبعاثات في مصانع ومشاريع “ابدأ”.
● تأصيل الاستدامة: تحقق مبادرة “ابدأ” أنماطًا مختلفة من الاستدامة، مثل: الاستدامة المالية عبر التمويل، والحوكمة، والرقمنة. كذلك استدامة الموارد الخام من خلال توطين الصناعات الخضراء، واستخدام الطاقة النظيفة والمستدامة، وتنمية الوعي بقضايا حماية البيئة والصحة العامة، وتوظيف التقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تدوير الموارد.
● تحول مفهوم المسؤولية المجتمعية: حيث تؤكد استراتيجية “ابدأ” على إحداث تأثير إيجابي من خلال الاستثمار غير المقيد بحدود أو مجتمع، فيتخطى مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات والمصانع، إلى مفهوم المواطنة العالمية، والتي تتسق وأهداف التنمية المستدامة وخاصة ما يتعلق بخفض تداعيات وآثار التغيرات المناخية الناتجة عن قطاع الصناعة بشكل عام.