لم تحظ قضية باهتمام مجتمعى على مدى العقود الأخيرة، مثلما حظيت قضية الأحوال الشخصية، والقانون أو القوانين التى تتعلق بهذا الأمر. وتم إدخال تعديلات وإصدار تشريعات، متعددة على مدى العقود، لكنها جميعًا لم تنجح فى حل الأزمات والصدامات، فقد كانت المحاكم الشرعية والمجالس الملية تختص بنظر قضايا الأحوال الشخصية، حتى 21 سبتمبر 1955، عندما تم إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية وإحالة اختصاصها «دعاوى الأحوال الشخصية والوقف» إلى المحاكم الوطنية.
ورغم ذلك بقيت تراكمات التشريعات، وبعضها يمتد إلى مئات السنين، جعلها عاجزة عن حل قضايا الأسرة، أو إنصاف أطرافها، لأن قانون الأحوال الشخصية به عناصر كثيرة متشابكة فى الإجراءات وحق الرجل والمرأة والأطفال وضمانات تنفيذ الأحكام، وكيفية علاج تعسف أحد أطراف الخلاف، بجانب تراكمات تشريعية وإجراءات تنتهى إلى صراعات أبدية بلا طائل والخاسر الأسرة والمجتمع والأطفال.
من هنا تأتى الأهمية التى يوليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، لقضية الأحوال الشخصية، ويتعامل معها الرئيس ليس من منظور قانون فقط، لكن من منظور قضية تتعلق بالأسرة والمجتمع.
هناك جانب اجتماعى مهم يرتبط بالفكرة، وهى مواجهة ارتفاع نسبة الطلاق، وفى حال وقوعه ضمان حقوق الأطراف، وخاصة الأبناء الذين يصبحون ضحايا، ناهيك عن عدم توثيق الطلاق وما ينتج عنه من ضحايا ومشكلات اجتماعية وإنسانية، وهى قضية تتعلق بتعقيدات الحياة، ففى الماضى لم تكن هناك عمليات توثيق لعقود الزواج، مثلما لم يكن هناك توثيق لأى شىء، ومع تطور الدولة الحديثة تم إنشاء الدواوين والتوثيق، لضمان الحقوق.
وحتى فى الشريعة والفقه، هناك الحكم من أهل الزوج وأهل الزوجة للإصلاح، ويتضمن المشروع الجديد تدخلات قبل قضائية للإصلاح ومعالجة الخلاف بما قد يمكن من إصلاحه، وهو أمر يتم وضعه فى الاعتبار ضمن القانون قبل الوصول للمحاكم، بحيث تكون هناك فرصة لإصلاح قد ينجح، مع الأخذ فى الاعتبار أن الطلاق يرجع أحيانًا لنقص خبرة، أو غياب الوسيط القادر على التوسط بين الزوجين قبل الطلاق.
وخلال السنوات الأخيرة تم طرح مشروع قانون، أثار الكثير من الجدل، واتهامات من المرأة أنه ضدها، ومن الرجل أنه ضده، وهو ما دفع الرئيس إلى توجيه وزارة العدل بإجراء حوار مجتمعى موسع حول مشروع القانون، قبل عرضه على مجلس النواب، وهذا الحوار يضمن أن يدلى كل طرف برأيه، خاصة الخبراء والمحامين المندمجين، فى هذا النوع من القضايا، بجانب أهمية الاستماع إلى أطراف الدعاوى، حتى يمكن إصدار قانون موحد، ينهى التعدد والتشابك.
الرئيس السيسى أكد أن هذا القانون يجب أن يضمن حق الأطفال ويوازن ويطبق العدالة، ثم طرح فكرة صندوق رعاية الأسرة، والذى يمثل خطوة متقدمة لضمان حقوق الأطفال بعيدًا عن طبيعة ووقت الصراع، لأنه فى أوقات وحالات كثيرة يبقى الصراع القضائى قائمًا، من دون نهاية، والخاسر هم الأطفال، وتأتى فكرة الصندوق الذى يمثل نوعًا من التأمين يساهم فيه الأزواج والدولة بشكل يجعل الإنفاق على الأطفال فى حالة الطريق المسدود منعزلًا عن طبيعة السباق القضائى الذى قد يطول.
الرئيس وجه بأن يكون هناك حوار مجتمعى ومع الخبراء والمختصين وأصحاب المصلحة والمحامين حتى يخرج متوازنًا، ويضمن العدالة للأسرة، ثم إن توحيد القوانين هو أصل العدالة، وضمان لحقوق كل الأطراف، والهدف هو ضمان استقرار الأسرة، وحق للأطفال.
هناك إدراك من الدولة لأهمية وخطورة تأثيرات هذا القانون، ولهذا يجب أن يصدر بعد نقاش واسع، وضبط، ثم إن الرئيس دائمًا يوجه الحكومة بإجراء حوار مجتمعى ومع الأطراف المختلفة فى كل مشروعات القوانين حتى تصدر مستوفية لقواعد العدالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة