الأطفال أغلى ما نملك، لأجلهم نسعى ونعمل، ولمستقبلهم ننشط ونتحرك ونحاول قدر المستطاع، إلا أن الحياة المادية التي نعيشها، وأدوات الانشغال العديدة التي تسيطر علينا، ووسائل الترفيه والتسلية التي امتصت أوقاتنا، واستنفدت طاقاتنا، جعلتنا نقصر في حق أولادنا، لدرجة أن عدد كبير من الآباء والأمهات فقدوا التواصل مع ذويهم، نتيجة كل ما سبق، والعائد المباشر كوارث ونوائب لا حصر لها، آخرها اليوم، بعد وقوع حادث مأساوي موجع، فقدت معه فتاة صغيرة حياتها بعدما التف حبل الأرجوحة حول رقبتها في غياب متابعة الأسرة.
الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز 11 عاماً، تعيش أسرتها في مركز طما بسوهاج، واعتادت اللعب بفناء منزلهم الريفي، في غياب المتابعة الأسرية والانشغال بأعباء وهموم الحياة اليومية، حتى التف حبل الأرجوحة حول رقبها، أثناء اللعب، وماتت دون أن تجد من ينقذها أو يحاول فك خناقها، ولم تتكشف القصة إلا بعدما ذهبت الروح لخالقها، وهنا كانت الصدمة مريعة بعدما صارت جثة هامدة، معلقة في حبل الأرجوحة.
حادث طفلة سوهاج ليس الأول، ولن يكن الأخير، مادامت الأسر تترك أولادها دون رقابة أو متابعة، وتنشغل عنهم بأمور لها فائدة أو بدون، وأتصور أن الموبايل أو الهاتف المحمول متهم أول في مثل هذه القضايا، فالوقت الذي نمضيه على هواتفنا بات أكثر من أي وقت آخر، وقد شغلتنا تطبيقات التواصل الاجتماعي الافتراضية عن المتابعة الجادة للأبناء والبنات، الذين نتركهم للصدفة لتعلمهم، وما أقسى هذا التعليم، الذى قد يصيب مرة ويخيب مرات، ويقود حياة الطفل الباحث المستكشف عن الجديد للهلاك، فكم حاول أطفالنا احتضان أسلاك الكهرباء أو العبث بالنار أو القفز من أماكن مرتفعة!
الانشغال بماديات الحياة والسعي الشره نحو جمع المال، والفكرة الجهنمية التي باتت على كل الألسنة وترفع شعار "تأمين مستقبل الأولاد"، سبب أساسي في المأساة التي نعيشها، فأى تأمين بالابتعاد عن الأولاد أو الإهمال في سماع مشكلاتهم ومراقبة أفعالهم، فهذا تضييع وتفريط وليس تأمين، فما أحوجنا إلى الالتفاف حول أبنائنا وتعليمهم وتأهيلهم بصورة تكفل لهم حياة ومستقبل أفضل، ليس فقط من خلال توفير المال أو زيادة الإنفاق، بل بإعطائهم تجارب وخبرات الحياة وإشراكهم في المسئولية وتوعيتهم بالصواب والخطأ، فبهذا تكون التربية السليمة، التي تعتبر أهم مقومات تأمين المستقبل، والمعادلة الأولى لجودة الحياة.
جميعنا يشتكي من الأجيال الجديدة، ونضيق من انشغالهم بالتكنولوجيا وارتباطهم، لكننا لم نعط الفرصة لأنفسنا لسماعهم أو الوقوف إلى جوارهم أو اللعب معهم أو محاولة التعرف على تطلعاتهم وطموحاتهم، لنتركهم فريسة سهلة لأي أفكار جديدة، وأي مخاطر محتملة، وهذه قضية كبيرة يجب الانتباه لها، والتحذير من مخاطرها، فالأبناء والبنات لا يحتاجون من أسرهم الأموال والقدرة على الإنفاق فقط، بل يحتاجون أكثر إلى التواصل والحوار والتفاهم والنصيحة الهادئة، والتوعية الحكيمة، لذلك أدعوكم إلى احتضان أولادكم وغمرهم بالحب والرعاية، فليس لدينا أهم من هذه الزهور التي تملأ حياتنا بالسعادة والبهجة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة