مع حشد روسيا لأكثر من 100 ألف جندي بالقرب من حدود أوكرانيا، أصبحت السماء فوق منطقة أوروبا الشرقية لاسيما أوكرانيا مزدحمة بطائرات الاستطلاع التابعة للقوات الجوية والبحرية الأمريكية والطائرات بدون طيار؛ للقيام بأعمال المراقبة ورصد أي تحركات غير عادية.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الولايات المتحدة ترفع حاليا وبشكل غير اعتيادي السرية عن تقييماتها الاستخباراتية وتبادلاتها بشأن حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وذلك في محاولة ـ على ما يبدو- لتعطيل خطط موسكو وسلبها أي مظهر من مظاهر الإنكار بشأن أنشطتها.
ففي خطاب ألقاه قبل أيام، قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إن موسكو لديها الآن أكثر من 150 ألف جندي يحاصرون أوكرانيا. وقبل وقت قصير من حديث بايدن، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إن روسيا ستبدأ سحبا جزئيا لقواتها، لكن يوم الأربعاء الماضي قال الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) "ينس ستولتنبرج" إنهما لم يشاهدا سوى مؤشرات قليلة على عودة القوات الروسية إلى قواعدها. وأضاف ستولتنبرج، متحدثا في بروكسل مع انطلاق قمة وزراء دفاع الناتو: "ما نراه هو أنهم زادوا عدد القوات، وهناك المزيد من القوات في الطريق".
وتقترن جهود واشنطن لكشف خطط روسيا ـ وفقا للمجلة الأمريكية ـ بكمية كبيرة من المعلومات حول التعزيزات العسكرية. فلعدة أشهر، كان مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا وبيلاروسيا يقومون بتحميل مقاطع فيديو على TikTok ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى لقطارات محملة بالمعدات العسكرية الروسية أثناء تحركها غربا، بينما كان بعض المتحمسين يتتبعون السفن الروسية التي تمر عبر مضيق البوسفور التركي أثناء تحركها نحو البحر الاسود. كما أطلقت شركات صور الأقمار الصناعية الخاصة مثل Maxar بشكل روتيني صورا لانتشار العتاد الروسي على حدود أوكرانيا.
وتوفر أدوات تتبع الرحلات الجوية المتاحة للجمهور أيضا نافذة على جهود الغرب لمراقبة التحركات العسكرية لموسكو. فيوم الأربعاء الماضي، رصدت منصة تتبع الرحلات FlightRadar24 طائرة استطلاع أمريكية من طراز RQ-4 Global Hawk كانت تحلق فوق معظم أراضي أوكرانيا، بينما حلقت طائرة RC-135 Rivet Joint بالقرب من شبه جزيرة القرم، فيما تم تجهيز RC-135 Rivet Joint بمحللين استخباراتيين وضباط حرب إلكترونية ومجموعة من أجهزة الاستشعار التي يمكنها اكتشاف الإشارات وتحديدها. كما أقلعت طائرة عسكرية من طراز Beechcraft RC-12 Guardrail، التي يمكنها جمع معلومات استخباراتية، من ليتوانيا إلى شمال بيلاروسيا وحلقت فوقها. وقد تم تجهيز كل طائرة بقدرات مختلفة بحيث يمكن تكوين صورة أكثر تفصيلا لتحركات روسيا على الأرض.
ويؤكد "بن هودجز" القائد العام السابق للجيش الأمريكي في أوروبا: "يتطلب الأمر مجموعة كاملة من القدرات لتكون قادرا على المحاولة والفهم، والحصول على صورة لما يحدث بالفعل.. أنت تبحث دائما عن مؤشر. إن الروس لن يكتبوا لك رسالة، ويقولون: مرحبا، بالمناسبة، ها هي الخطة".
وتُظهر البيانات المتعلقة بالرحلات التي جمعتها إحدى الهواة وتدعى "أميليا سميث" وشاركتها مع "فورين بوليسي" أن عدد رحلات المراقبة الجوية فوق المنطقة من قبل أعضاء الناتو والسويد ازداد بشكل مطرد خلال الشهر الماضي، وبلغ ذروته بواقع 22 رحلة على الأقل في يوم واحد وهو الثالث من فبراير.
وفي هذا الإطار، قال متحدث باسم القيادة الأمريكية في أوروبا: "تقوم الولايات المتحدة بشكل روتيني بتسيير طائرات في منطقة البحر الأسود لدعم أهداف استخباراتية مختلفة للولايات المتحدة والتحالف (ناتو)... نجري هذه الأنواع من الرحلات الجوية مع الحلفاء والشركاء بشكل روتيني، وتوضح هذه المهام التزامنا المستمر بالسلامة والأمن في المنطقة".
لكن هناك دلائل على أن الروس ليسوا سعداء ـ وفقا لفورين بوليسي ـ بتصاعد رحلات المراقبة الأمريكية في أوروبا. فخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، شهدت ثلاث طائرات استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية ما وصفه مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) بأنه اعتراضات غير آمنة وغير مهنية أثناء تحليقها في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأبيض المتوسط. وبينما لم يصب أحد، تواصلت الولايات المتحدة مع روسيا عبر القنوات الدبلوماسية في أعقاب الحادث.
ويرى بعض المسؤولين العسكريين السابقين زيادة أنشطة الاستخبارات الغربية أنها علامة على أن روسيا قد تثير أزمة أمن قومي مكلفة للغرب. ولكن حتى في الوقت الذي أدت فيه زيادة أنشطة الاستخبارات إلى التركيز بشكل أفضل على الصراع، فإن ما تراه الولايات المتحدة والدول الأخرى ـ حتى الآن - ما يزال غير واضح.
وصرح مسؤولون سابقون في المخابرات الأمريكية لمجلة فورين بوليسي بأن تفسير الصور التي التقطها الأسطول الجوي الضخم هو فن أكثر منه علم، حيث تحاول إدارة الرئيس الأمريكي بايدن قراءة نوايا الرئيس الروسي بوتين، في ظل وجود أكثر من 100 كتيبة تكتيكية بالإضافة إلى مستشفيات ميدانية ومنشآت لوجستية ومؤشرات أخرى لغزو محتمل لأوكرانيا، وقياس ذلك مقابل تصريحات الكرملين والإجراءات الدبلوماسية ذات الصلة.
وكانت روسيا قد أعلنت في وقت سابق أن الدبابات في منطقتها العسكرية الغربية ستعود إلى قواعدها الأصلية، لكن المسؤولين والخبراء لم يتمكنوا من تأكيد ذلك. ويؤكد دبلوماسي أوروبي، رفض الكشف عن هويته، أنه على عكس مطالبة روسيا بالانسحاب، لا يوجد ما يشير إلى أن "القوات بأعداد كبيرة، أو عناصر التمكين القتالية، قد تم سحبها.. كما أنه لا توجد مؤشرات على أن خطط الغزو الروسية المزعومة في تراجع أو حتى تتباطأ.. نعتقد أن التخطيط لغزو مستمر بأقصى درجات الجدية والتعقيد، ونعتقد أن الغزو على الأرجح وشيك".
وترى المجلة الأمريكية أنه إذا اختار الروس المضي قدما في الغزو، كما يخشى العديد من المسؤولين الأمريكيين، فقد تصبح مهمة جمع المعلومات الاستخبارية أكثر صعوبة، خاصة إذا تمكنت روسيا من تدمير أجزاء من الجيش الأوكراني أو احتلال مساحات من الأراضي.
كما أن ما تردد عن نقل محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من العاصمة الأوكرانية (كييف) إلى (لفيف)، حيث انتقلت السفارة الأمريكية، على بعد أكثر من 300 ميل إلى الغرب وعلى مقربة من الحدود البولندية، من شأنه أن يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للعمل الاستخباراتي هناك، ناهيك عن أن الجيش الروسي ـ وفقا لتحذيرات مسؤولين أمريكيين- يمكن أن يستخدم الحرب الإلكترونية أو هجمات الحرب الإلكترونية لشل الاتصالات في أوكرانيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة