عرفت الحياة الثقافية المصرية العديد من المعارك الفكرية وكان منها أزمة رسالة الدكتوراه المقدمة من محمد أحمد خلف الله بعنوان "الفن القصصى فى القرآن الكريم" فى كلية الآدب بجامعة فؤاد الأول فى سنة 1947.. فما الذى جرى؟
القصة كما أوردها الأستاذ سعيد الشحات فى "ذات يوم"
فى 31 أكتوبر1947، أصدرت جامعة فؤاد الأول التى أصبحت "جامعة القاهرة" قرارا برفض رسالة الدكتوراه التى تقدم بها خلف الله، بعنوان الفن القصصى فى القرآن الكريم، وتحويل صاحبها إلى عمل إدارى، وحرمان الشيخ أمين الخولى المشرف على الرسالة من تدريس "علوم القرآن" أو الإشراف على رسائل تتصل بالقرآن،
يذكر نصر حامد أبوزيد، الذى اعتمد سعيد الشحات على رأيه، أن قرار الجامعة استند فى معاقبة الأستاذ على أن قرار تعيينه بدرجة أستاذ فى 6 أكتوبر 1946 كان تخصيصا لكرسى "الأدب المصرى"، ويضيف أبوزيد: "يقال إن معاقبة المشرف كان استجابة لاستجواب قدمه عضو فى البرلمان لوزير المعارف عن مصير الأستاذ الذى أشرف على هذه الرسالة".
الفن القصصى فى القرآن
وانشغل الرأى العام المصرى بمثقفيه وسياسيه وصحافته وجامعته وأزهره وأحزابه بهذه القضية التى عكست صراع "المقلدين" و"المجددين" فى الجامعة وخارجها.
و يروى "خلف الله" باختصار قصته التى قادته إلى ما حدث معه فى هذه الأزمة، يتذكر فى كتابه "مفاهيم قرآنية"، سلسلة "عالم المعرفة" علاقتى بالموضوع تبدأ فى الثلاثينيات من القرن الماضى، عندما كنت طالبا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة - الجامعة المصرية فى هذا الوقت، قائلا: "كانت هناك مادة دراسية هى الدراسات القرآنية، وكان الذى يقوم بتدريس هذه المادة الأستاذ الشيخ أمين الخولى، كان ينهج منهجا جديدا فى الدراسات القرآنية التى تليق بكلية الآداب التى كان يجب أن تقوم على أساس من دراسة القرآن دراسة أدبية، كان يقول: لقد درس الفقهاء القرآن، ودرس اللغويون القرآن، ودرس البلاغيون القرآن، ودرس الفلاسفة وعلماء الكلام القرآن، ولكن الأدباء لم يقوموا بهذه الدراسة، على الرغم من أن القرآن الكريم معجزة أدبية فى المقام الأول، وكان يقول: إن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وضع حجر الأساس لهذه الدراسة.
ويضيف "خلف الله"، أن الشيخ أمين الخولى كان يقول: إن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وضع حجر الأساس لهذه الدراسة عندما ذهب إلى أن القرآن الكريم يجب أن يفهم على الأساس الذى كانت تفهمه عليه العرب وقت نزوله، من حيث فهم الألفاظ اللغوية والعبارات الأدبية.
ويتذكر: "كنت أسمع هذه الكلمات فتمتلئ نفسى بها، وكنت أشعر شعورا داخليا قويا بأننى من دون زملائى الراغب فى هذه الدراسة والقادرعليها.. كنا ندور فى محيط المفاهيم القرآنية، وماذا أبقاه القرآن الكريم على حاله؟ وماذا أخرجه وأعطاه معنى مجازيا أو معنى دينيا؟ كان هذا العمل يستلزم التعرف على استخدامات الألفاظ فى القرآن الكريم كله وإلا جاء ناقصا.. كنت شغوفا بهذه العملية، وكنت من المتقنين لها، وكنت أعد نفسى لمتابعة الدراسة فى هذا الميدان، ووقع ما كنت أحدث نفسى بها، فلم أكد أتخرج حتى التحقت بالدراسات العليا، وتخصصت فى الدراسات القرآنية بالذات، كان موضوع دراستى الأولى لنيل درجة الماجستير هو جدل القرآن، وهو الكتاب الذى نشرته فيما بعد تحت اسم: محمد والقوى المضادة، من حيث إن هذه القوى المضادة هى التى كانت تثير الجدل حول محمد، عليه السلام، وحول القرآن الكريم، وكان موضوع رسالتى الثانية لنيل درجة الدكتوراه: الفن القصصى فى القرآن الكريم، وكنت أول من اقتحم ميدان الدراسات القرآنية من بين طلاب قسم اللغة العربية بكلية الآداب.
هكذا يوضح "خلف الله" رحلة تخصصه البحثى الذى جاء فى مدرسة "تجديد الفكر الدينى"، فى تفاعلها مع مقتضيات الواقع العربى الحديث، بوصف الدكتور يمنى طريف الخولى فى كتابها "أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد"، مؤكدة أن الخولى بتجديده للفكر الدينى كان سائرا فى طريق سبق أن ترسمت معالمه، وتشكلت تضاريسه فى خريطة الفكر العربى الحديث، وبفعل جهود دؤوبة لرواد أسبق، يتقدمهم بجدارة الشيخ محمد عبده - 1849 - 1905 - الأستاذ الإمام، إمام المجددين، وقائد جيش الهجوم على التقليد الذى هوى بمعوله على معاقل المرض الخبيث "مرض الجمود على الموجود"، وكان سلاحه الماضى فى كفاحه التجديدى هو "تآخى الدين والعقل فى الإسلام" على هذا النهج مضى "أمين الخولى" وتلميذه محمد أحمد خلف الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة