شهدت مصر العديد من المعارك الفكرية فى تاريخها الثقافى والمجتمعى، ومن ذلك ما أثاره كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق، والذى صدر فى سنة 1925 وأثار العديد من الجدل.
جاء الكتاب فى ظروف اجتماعية وسياسية مهمة فبعدما تخلى مصطفى كمال أتاتورك عن "الخلافة" في سنة 1924 وأصبحت تركيا دولة لا علاقة لها بالعالم الإسلامى فى الشرق اشتعل الصراع بين الباحثين عن الخلافة فى الحجاز ومصر، لذا رأى على عبد الرازق أن الخلافة ليست أصلا من أصول الدين فلا داعى لوجود خليفة.
على عبد الرازق
ورأى الكتاب أن الخلافة طرأت على الإسلام فى عصور متأخرة، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يتطرقا لموضوعها وأن اتفاق المسلمين لم ينعقد قط على خليفة.
كذلك رأى الكتاب أن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات إنما هو شرع دينى خالص لله ولمصلحة البشر الدينية لا غير.
قامت هيئة كبار العلماء فى الأزهر بمحاكمة الشيخ على عبد الرازق، ووجهت الهيئة سبع تهم تتهم الكتاب بالضلال، حيث قالت إن الكتاب تسبب فى جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبى كان فى سبيل الملك لا فى سبيل الدين، ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين، واعتبار نظام الحكم فى عهد النبى موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجبًا للحيرة، واعتبار مهمة النبى كانت بلاغًا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ، وإنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لابد للأمة ممن يقوم بأمورها فى الدين والدنيا، وإنكار أن القضاء وظيفة شرعية، واعتبار حكومة أبى بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لا دينية.
ورأى الأزهر فى الكتاب خروجا عن حد المعتقدات لذا حاكم على عبد الرازق أمام هيئة كبار العلماء الأزهريين وأخرجه من زمرتهم، وتم فصله من القضاء.
وحدث خلاف بين عبد العزيز فهمى باشا وزير الحقانية ورئيس حزب الأحرار الدستوريين، ويحيى إبراهيم باشا رئيس الوزراء بالنيابة ورئيس حزب الاتحاد، فرأى الأول أن ما ذهب اليه الشيخ عبد الرازق خطأ فى رأى دينى قد لا يستلزم إخراجه من وظيفته القضائية وأن هيئة كبار العلماء غير مختصة بالنظر فى مثل هذا الحال، أما الثانى فيرى رأى هيئة كبار العلماء فى أنه أخطأ فى رأى دينى يبعده عن منصة القضاء الشرعى.
وهاجمت الصحف على عبد الرازق، ومنها البلاغ والأهرام والمقطم ومجلة المنار، التى اتهم صاحبها محمد رشيد رضا المؤلف بالزندقة والإلحاد ووصفه الشيخ محمد قنديل فى البلاغ بأنه نار محرقة وأنه ترديد لسياسة الكماليين فى تركيا، وفى المقابل تصدى أنصار حرية الفكر للدفاع عن الكتاب وعن حرية التفكير والرأى المكفولة فى الدستور وأبرزهم عباس العقاد وسلامة موسى وأحمد حافظ عوض ومنصور فهمى.
وكانت أغرب الاتهامات ما قال به الشيخ أحمد حسن مسلم عضو مجمع البحوث الإسلامية فى 1989 أعلن أن الشيخ على عبد الرازق أخبره بأن المؤلف الحقيقى للكتاب هو طه حسين وليس على عبد الرازق.
وللعلم فقد عاد الشيخ على عبد الرازق إلى عمله كما تمت قراءة أفكاره مرة أخرى بقليل من التروى، وصار كتابه عمدة في مجاله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة