هزم الجيش العثمانى، السلطان المملوكى «طومان باى» فى موقعة الريدانية يوم 22 يناير 1517، بعد معركة عنيفة أبلى فيها «طومان باى» بلاء حسنا، حسبما يذكر الدكتور عماد أبوغازى فى كتابه «طومان باى السلطان الشهيد»، مضيفا: «استمر يقاتل حتى انفض عسكره من حوله، فانسحب متقهقرا إلى طرة جنوب القاهرة، بعد أن كبد العثمانيين خسائر فادحة اعترف بها مؤرخوهم، وتمكن من قتل سنان باشا، القائد والوزير العثمانى، بل إن السلطان سليم نفسه اعترف بصعوبة المعركة فى بشارة بالنصر أرسلها إلى الشام».
فى اليوم التالى، دخل العثمانيون القاهرة، وخطب لسليم فى المساجد إيذانا بسقوط دولة المماليك، يذكر «أبوغازى»: «أضحت القاهرة مدينة مفتوحة لمدة ثلاثة أيام بلياليها، يفعل العثمانيون ما شاءوا، وفر طومان باى إلى البهنسا بالصعيد، وبدأ فى تنظيم صفوفه، واستمر فى مقاومته للوجود العثمانى فى مصر لمدة ثلاثة أشهر تقريبا فى كر وفر، وأقنعت هذه المقاومة «سليم الأول» بقبول طلب طومان باى بالصلح، وبنفس الشروط التى سبق وأن عرضها سليم قبل موقعة الريدانية وهى أن تكون الخطبة والسكة باسم سليم، ويتولى طومان باى حكم مصر نيابة عنه، لكن طومان باى عاد وتراجع عن طلب الصلح».
فى 26 مارس 1517 كانت المعركة الحاسمة فى الجيزة، يؤكد «أبوغازى»: «رغم أن جيش طومان باى تفوق فى البداية، فإن البارود والرصاص حسما المعركة مرة أخرى لصالح العثمانيين، وبعد أن فقد طومان باى معظم جيشه، فر متجها إلى الشمال نحو «تروجه» بالبحيرة، حيث لقاه حسن بن مرعى وابن أخيه «شكر» من مشايخ العرب بالبحيرة فى ضيعة تسمى «البوطة»، وبعد أن أقسما له على أن يحمياه وألا يغدرا به، قاما بتسليمه إلى السلطان سليم».
يؤكد «أبوغازى»، أن المصادر المعاصرة لطومان باى تختلف حول كيفية سقوطه أسيرا، فبينما أورد «بن إياس» فى مؤلفه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» قصة خيانة مرعى له بصورة موجزة، أفاض «ابن زنبيل» فى مؤلفه «واقعة السلطان سليم» فى ذكر تفاصيل طويلة للقصة، التى يغلب عليها طابع القصص الشعبية»، ويذكر الدكتور أحمد فؤاد متولى فى كتابه «الفتح العثمانى للشام ومصر»: «قرر طومان باى الهرب يوم 27 مارس 1517، وقال لأتباعه الذين برفقته: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، اعلموا يا أغوات أن دولتنا قد دالت، وآجالنا قد مالت، وما بقى لنا فى هذه الديار نصيب»، وتوجه إلى الشيخ حسن بن مرعى فى «سخا» بالغربية، وقال لمن معه: «لا بقى لنا رأى إلا أن أذهب إلى حسن بن مرعى وابن عمه شاكر، شيوخ عرب محارب، فإنى قد وليتهم عليهم، وأطلقت حسن من الحبس، بعد أن كان المرحوم السلطان الغورى كتب على قيده، وأطلقته لما أن صار الأمر لى، وأخذت عليه العهود والمواثيق والإيمان المغلظة أن يكون معى ظاهرا وباطنا، ويكون معى بالقلب والغالب إذا احتاج الأمر لذلك».
يؤكد متولى: «رحب آل مرعى بقدومه، وركن إلى ولائهم، وأحضر لهم مصحفا وحلف ابنى مرعى على ألا يخوناه ولا يغدران به، ولا يدلسان عليه بشىء من الأشياء ولا لسبب من أسباب الملك ولا يدلان عليه.. حلفا له المصحف سبع مرات، فطاب قلبه إلى ذلك، وبعد أن اطمأن حسن بن مرعى على استقرار طومان باى ومن معه، خرج عنهم ليستطلع الأخبار، وقد حدثت نفسه بالخيانة، ويقال إن مجادلة حادة وقعت بينه وبين أمه فى أمر الخيانة، وحذرته من هذا العمل، وأخذت تذكره بما لطومان باى عليه من أياد بيضاء، وجهدت فى نصحه، فلم ينصح إذ كان يطمع فى المكافأة، وشجعه شاكر ابن عمه بقوله: وهل هناك عاقل يبيع عاجله بآجله، لا تمل إلى الكفة الخاسرة فيحصل لك الخسران».
يذكر«متولى» أن حسن بن مرعى أبلغ سليم بوجود طومان باى متخفيا عنده، فبعث إليه سليم بفرقة من جنده قبضت عليه يوم 30 مارس، مثل هذا اليوم 1517، وأحضرته مقيدا إلى مكان يدعى «أم الدينار» ثم نقلته إلى الجيزة، وعبرت به إلى مقر سليم فى بولاق، وفى اليوم التالى31 مارس 1517 حدثت المواجهة بينهما: «أخذ سليم يتأمله معجبا بشجاعته وجسارته، وأجلسه على العرش الذى أعده له بجواره، وتحدث معه بأسلوب رقيق راغبا فى الاستفادة من ضمه للعمل مع العثمانيين»، ودار بينهما حوارا طويلا، يؤكد «متولى» أن طومان باى أظهر فيه رباطة جأش وشجاعة مدافعا عن شرفه وشرف بلاده، مبديا له أن هزيمته هى من ترتيب المقادير»، وفى 13 إبريل 1517 أعدمه سليم الأول شنقا على باب زويلة، وظل معلقا لمدة ثلاثة أيام حتى جافت رائحته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة