الحرب التى تدور فى أوروبا، وأطرافها روسيا وأوكرانيا والغرب، تدور على الهواء، وفى ظل توافر كل أدوات المعلومات والاتصال والنشر، لكنها حرب دعاية فى الأساس، والحقيقة هى آخر ما يمكن أن يتحقق فى كل هذا الزحام، كل الأطراف تمارس الدعاية وتتهم الطرف الآخر بالتضليل، فى أرقام الضحايا وحجم الخسائر، وطبيعة سلوك كل طرف، هى أول حرب كبرى تدور فى أوروبا منذ ما بعد الحرب الأوروبية الثانية، وجرت العادة أن الحرب الباردة كانت تجرى بعيدا عن القطبين المتصارعين، على أراضى دول أخرى.
وخلال نصف قرن وأكثر ظلت الحروب فى الشرق، آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، لكنها تعود حسب توقعات كثيرة إلى أوروبا، وظهرت نظريات تحيل الصراع إلى طبيعة العالم الثالث، لكن روسيا نفسها خاضت حروبا مع جمهوريات سوفيتية سابقة، بعد سقوط الاتحاد السوفيتى عام 1991، منذ أواخر عام 1994 فى الشيشان، وفى أكتوبر 1999، فى عهد رئيس الوزراء، حينها، فلاديمير بوتين، عادت القوات الروسية ردا على هجمات الانفصاليين الشيشان، وفى فبراير 2000، استعاد الجيش الروسى العاصمة الشيشانية جروزنى، استمرت حرب العصابات من 2009، حتى أعلن الكرملين انتهاء الحرب التى أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الجانبين.
فى أغسطس 2008، دخلت روسيا وجورجيا فى حرب لمدة خمسة أيام على أوسيتيا الجنوبية، وهى منطقة جورجية انفصالية صغيرة موالية لروسيا، وشن الجيش الجورجى هجوما لاستعادة السيطرة على أوسيتيا الجنوبية، لكن روسيا أرسلت قواتها التى حسمت الصراع، وبعدها اعترف الكرملين باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وحافظ على وجود عسكرى هناك، وفى عام 2014، وبدعم أوروبى تمت الإطاحة بالرئيس المدعوم من الكرملين فيكتور يانوكوفيتش، وردت روسيا بضم شبه جزيرة القرم، فى خطوة واجهت رفضا أوروبيا وأمريكيا، ولم يتوقف الصراع، وأعلنت دونيتسك ولوهانسك شرق أوكرانيا على الحدود مع روسيا الاستقلال، ودخلت فى نزاع مسلح مع كييف، مع اتهام روسيا بأنها وراء الانفصاليين، حتى تجدد الصراع مع إعلان أوكرانيا الاتجاه للانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما دفع روسيا لتكثيف مناوراتها العسكرية، واعترف بوتين باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين لتبدأ حرب وتتواصل.
لكن الحرب على الأرض، ترافقها حرب دعائية، يحرص كل طرف على كسبها، فقد فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات وحصارا اقتصاديا ضد روسيا، فى وقت تتشابك فيه المصالح الغربية، حول الغاز والنفط، مع روسيا، بل إن الحصار والعقوبات امتدت إلى التقنيات الحديثة، والاتصالات، وامتدت الحرب إلى أدوات التواصل مثل جوجل وفيس بوك وتويتر وغيرها، حيث أوقف فيس ربوك خدماته فى بعض مناطق روسيا، فيما أوقفت أبل خدماتها لبعض التطبيقات بعد وقف إنتاج وتوزيع الموبايلات الأبل فى روسيا، موسكو ردت بوقف مواقع التواصل، فيما بدا إدخالا لشركات التكنولوجيا إلى الصراع، حيث أصبحت شركات مثل جوجل وفيس بوك وتويتر طرفا فى الحرب، ومعها البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى، وبالطبع تبادل الإعلام الاتهامات بالانحياز، فقد طرحت BBC سؤالا: هل تشن موسكو حربا دعائية ضد كييف؟ بينما طرحت موسكو نفس السؤال متهمة الهيئة البريطانية ومعها قنوات غربية مثل CNN، ودويتشه فيله، بالانحياز وتغييب المعلومات وممارسة التضليل، واتهمت روسيا الغرب بمنع قنوات ومواقع روسية فيما يعد مخالفة لادعاءات حرية الرأى.
والواقع أنه رغم انتشار واتساع أدوات النشر، يبقى الأمر فيما يتعلق بالحرب، خاضعا بكل قواعد الدعاية، وهو ما يتجلى فى تغطيات القنوات الغربية ومنصاتها على السوشيال ميديا، فى مواجهة المنصات الروسية، حيث تختفى الموضوعية كثيرا لتحل مكانها الدعاية التى تخفى الحقيقة، وتتراجع الحرية أمام ماكينات الدعاية من كل الأطراف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة