أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

مصر وحقوق الإنسان.. التحول من "التسييس" إلى "التأنيس"

الإثنين، 07 مارس 2022 09:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما لم يكن الحديث المتواتر عن حقوق الإنسان، على خلفية العملية العسكرية الروسية الحالية في أوكرانيا، ليس بالأمر المستغرب تماما، في ظل تدهور الأوضاع بصورة كبيرة، وتدفقات اللاجئين، ناهيك عن مخاوف كبيرة إثر تمدد الصراع ليتحول إلى "حرب عالمية ثالثة"، ربما تأكل الأخضر واليابس، ناهيك عن ضحايا الحرب من المدنيين، وما إلى ذلك من قضايا طالما أثارها الغرب، ربما تحمل في جانب منها جزء من الحقيقة، على اعتبار أن العالم يشهد حربا حقيقية، بما لها من تداعيات إنسانية، لا تقتصر على طرفى الصراع وإنما تمتد بوجهها القبيح على العالم بأسره، في ضوء موجات محتملة من اللجوء والغلاء، وما سوف يترتب عليها من أزمات، بينما تمثل في الإطار الأكبر "تسييسا"، في ظل حملات إدانة متتالية، في إطار ضغوط دولية، يسعى الغرب لممارستها لاستعادة زمام الأمور.

ولعل مسألة "التسييس" في المشهد الحقوقي الدولي، بمثابة أحد الأدوات التي طالما استخدمتها واشنطن وحلفائها للضغط على "المارقين" من الدول، في مختلف مناطق العالم، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية، عبر تسويق فئة "النشطاء" الذين يحملون المبادئ "المعلبة"، على غرار الديمقراطية وحرية التعبير وغيرها، بهدف إثارة الفوضى، داخل المجتمعات، بينما يقدمون لهم ما يشبه "الحصانة"، في مواجهة سلطات بلدانهم، عبر تجهيز الإدانات والبيانات "شديدة اللهجة" إذا ما اتخذت إجراءات بصددهم، تحت مظلة "حقوق الإنسان"، وذلك لممارسة الضغط عليهم وإرضاخهم للدوران في فلك "المعسكر الغربي"، وهو الأمر الذى تجلى بوضوح خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والذى كان يمثل الطريق، ليس من أجل مستقبل أفضل، وإنما لتقسيم المنطقة، وتفتيت دولها.

ولكن بعيدا عن ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالتدخلات الغربية، في المشهد الحقوقي الداخلى لدى الدول "المارقة"، والتي تجلت في أبهى صورها مع التعامل الصارم في مواجهة الاحتجاجات، إلى حد استدعاء حالات الطوارئ، في بعض دول "العالم الأول"، في الأشهر الأخيرة، لمواجهة الاحتجاجات التي تشهدها إثر القيود المفروضة بسبب وباء كورونا، دون "إدانة"، على غرار الأوضاع التي شهدتها بعض المدن الكندية في الأسابيع الماضية، تبدو نفس الحالة "المزدوجة" واضحة في التعامل مع المشهد الروسى الأوكراني، والذي لا يخلو بالطبع من مشاهد إنسانية مؤثرة، ولكنها في الحقيقة تمثل تكرارا لمشاهد أخرى، سبق وأن تسببت فيها الولايات المتحدة، في العديد من الدول الأخرى، ربما أخرها المشهد الأفغاني، الذي أثار حفيظة العالم، مع سيطرة حركة "طالبان" على السلطة، في أعقاب الانسحاب الأمريكي، وقبل ذلك في العراق، وغيرهما، وهو ما مر لسنوات دون أدنى "إدانة".

هنا تصبح حالة "التسييس الحقوقي"، سواء في المشهد الروسى الأوكراني، أو غيره من المشاهد الدولية الأخرى المرتبطة بحقوق الإنسان واضحة، وتمثل امتدادا للنهج القائم فعليا منذ عقود طويلة من الزمن، بينما تبقى الحاجة ملحة، في المرحلة الحالية إلى ما يمكننا تسميته بـ"تأنيس السياسة"، عبر إضفاء صبغة إنسانية من شأنها التعامل مع الأزمات الدولية، خاصة مع ظهور أزمات تبدو جديدة، بعيدا عن الصراعات التقليدية، سواء في صورتها الدولية أو الأهلية، على غرار التغيرات المناخية أو الوباء، وهو ما يتطلب النظر إلى القضايا بمنظور أشمل وأوسع، يتجاوز المصالح الضيقة، لتحقيق المصلحة العامة، وهو الأمر الذى يمكن تعميمه ليكون النهج الأساسي في التعامل مع كافة الأزمات الدولية في المستقبل.

فلو نظرنا إلى النموذج المصري في هذا الإطار، ربما نجد أن الاهتمام بالمسألة الحقوقية ارتبط بالإنسان، عبر التركيز على توفير حياة كريمة للمواطنين، باعتباره الهدف الذى خلقت من أجله حقوق الإنسان، بينما تسعى إلى تعميم هذا المنظور على المستوى الدولي، وهو ما يتجلى في التعامل مع الأزمات الجديدة، وعلى رأسها القضية المناخية، والتي ترتكز فيها الرؤية المصرية على تحقيق التوازن بين حقوق الطبيعة، عبر إقناع الدول في محيطها الإقليمي والجغرافى لتبنى سياسات الاقتصاد الأخضر، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، من جانب، بينما تقف لتدافع عن حقوقهم أمام الدول التي طالما استنزفت مواردهم لسنوات لتحقيق التنمية، دون النظر إلى مستقبل الأجيال القادمة، ومطالبتهم بتوفير الدعم اللازم لهم، حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم فيما يتعلق بتخفيض الانبعاثات الكربونية.

"تأنيس" السياسة، في الرؤية المصرية، لم يقتصر بأى حال من الأحوال، على أزمات الطبيعة، وإنما تجلت في مشاهد أخرى، ربما أخرها التعامل مع السائحين الأوكرانيين، وتوفير الإقامة المجانية لهم، بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية، ناهيك عن تحمل تكاليف نقلهم إلى دول الجوار الأوكراني، في مشهد يبدو إنسانيا بامتياز، بينما يتجسد فيه "جوهر" المفاهيم الحقوقية، وذلك بالرغم من التكاليف التي تتحملها الدولة المصرية في ظل مبادرتها، وهو ما يمثل امتدادا لمشاهد أخرى طيلة السنوات الماضية، أبرزها استضافة ملايين اللاجئين من دول المنطقة التي عانت الفوضى، وإدماجهم في المجتمع، حتى صاروا جزءً لا يتجزأ منه، في الوقت الذى تتزايد فيه الدعوات في الدول الكبرى للخلاص منهم.

وهنا يمكننا القول بأن "الجمهورية الجديدة" باتت تنتهج نهجا صريحا لوضع بصمتها في أحد أكثر القضايا التي أثارت جدلا كبيرا لسنوات طويلة، عبر تقديم المفهوم الحقيقي لـ"حقوق الإنسان"،  قولا عبر أحاديث متواترة، قدمت فيها القيادة المصرية لرؤيتها للمفهوم الذي ينبغي أن يكون مرتبطا بحياة المواطن البسيط وحقوقه الأساسية في الطعام والشراب والصحة والتعليم والحياة الكريمة، وفعلا عبر مشروعات عملاقة في الداخل، تهدف لتحسين حياة المواطنين المصريين، بينما امتد كذلك إلى الجانب الدولي، عبر تحركات واضحة، تهدف إلى تحقيق المصلحة الجماعية، سواء للدول، على غرار دعمها الكبير للدول في مناطقها الجغرافية تارة، أو حتى للأفراد، وهو ما تجلى في المواقف من اللاجئين أو مؤخرا من السائحين الأوكرانيين.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة