نلقى نظرة على كتاب "مقهى ريش.. عين على مصر" للكاتبة ميسون صقر، والذى فيه تجعل الكاتبة الإماراتية المقهى الشهير فى وسط البلد نقطة انطلاق للحديث عن مصر وتاريخها وجمالها، مؤكدًا أن القاهرة ومصر من ورائها تاريخ من الحركة الدائمة فى صنع الحياة.
ويتناول الكتاب تاريخ مقهى ريش فى وسط القاهرة، منذ أن اختار مالكه الأول ميشيل بولتيس اليونانى المغامر محب الفن والثقافة، هذا المسار، وصولا لعائلة عبد الملاك التى لا تزال تديره وتحافظ عليه من خلال أحفاده كإرث ثقافى يتجاوز الخاص إلى العام، كما يكشف الكتاب كذلك عن الدور الذى لعبه المقهى فى إنتاج الأفكار وبلورة صيغ فريدة للحوار اقترنت بمحطات التحول الرئيسية وبصورة جعلته أحد المعالم الثقافية الرئيسية فى عمارة المدينة التى تقاطعت مع الشأن العام.
تقول الكاتبة الإماراتية ميسون صقر فى الكتاب، مقهى ريش، مقهى ينتمى إلى الوجود البشرى المصرى فى فترة تعددت فيه الهويات والأفراد، يمثله باختياراته الفنية والسياسية والثقافية فى أغلب الفترات التى مرت عليه، فكان من المؤسسات غير الرسمية التى يتشكل فيها الرأى، والرأى الآخر، مثله مثل الكثير من المقاهى فى لحظات التغيير والأزمات.
وكما كتب البعض فهو يعد إحدى المؤسسات الاجتماعية غير الرسمية التى تسهم فى تتبع ملامح التغير الاجتماعى والتعرف على حقيقة وواقع هذه التحولات ومنها المعترك السياسى الذى شهد بامتداد تاريخ "كافيه ريش" خطا بيانيا متصاعدا للأحداث السياسية فى مصر بدءا من ثورة 1919.
هكذا ينطلق المقهى من فكرة مفادها، أن ثمة حراكا فى المدينة تتحاور فيه المقاهى مع البشر، وأنه يعمل وفق ما تمليه عليه اللحظة والحدث والجوار، وإن المقاهى تختار زبائنها كما يختارونها، فهى شبكة معقدة من العلاقات أو كأنها الأوانى المستطرقة التى تنهض أو تنحسر مع بعضها بعضا فى سياق معقد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية لا فاصل حاد بينها.
وتضيف ميسون صقر، أعود أنا أيضا لأستنطق المروى من قبل وأعيد الحكايات بشغف محب يبحث لا عن الجديد ولكن عن الاختلافات فى كل حكاية وعن الغريب من كل حكاية، وعن تلك الطبقة المتعددة من الحكى والإضافات، أكشف حكاية لتظهر أخرى وهكذا إلى ما لا نهاية، بما كان يستولده هذا المقهى من دلالات ومن لحظات سابقة، وإن كان فى لحظة خفوته أو تحوله، ويبقى جوهر ريش فى حكاياته التى لا تنتهى ولا تنقطع، فكيف لمقهى مستمر تنتهى فيه حكايات رواده وكيف لمدينة حية بالبشر أن ينقطع فيها الحراك ويصمت الحديث.
يأتى الكتاب مصحوبا الصور والوثائق المهمة، كما أنه مكتوب بطريقة أدبية وليس مجرد سرد للقصص والحكايات، ويظهر فيه بشكل واضح الحب الذى صاغته بها ميسون صقر.
الكتاب ضمن إذن لا يقتصر الكلام على المقهى بوصفه مكانا شهيرا يجلس عليه المثقفون وصناع القرار، لكنه مجرد بؤرة ضوء تضيء كل الشوارع والطرق فى المدينة العتيقة الكبيرة التى تهد واحدة من مدن العالم المؤثرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة