الديمقراطية وحرية التعبير وحق الحصول على المعلومات، تبدو مجرد شعارات فى الحرب الدائرة بين روسيا وأوروبا على المسرح الأوكرانى، حيث يتبادل الطرفان عمليات منع وحجب أدوات الإعلام، بينما الإدانة والاتهام بالتضليل تأتى من طرف واحد، فقد منعت ألمانيا مثل دول أوروبية أخرى بث قناة «روسيا اليوم» على أراضيها، واتهمتها بأنها تبث معلومات مضللة عن الحرب، وأعلن الاتحاد الأوروبى منع بث قناتى «آر تى» و«سبوتنيك» الروسيتين على أراضيه بتهمة تشويه الحقائق، وأعلن جوزيب بوريل، كبير دبلوماسيى الاتحاد الأوروبى، حجب كل من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» الروسيتين من دول الاتحاد، ضمن جهود الاتحاد الأوروبى لمكافحة التضليل الروسى.
وعندما ردت روسيا بمنع بث «دويتشه فيله» و«بى بى سى»، أدان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، على «تويتر» قرار الحجب الروسى فقط، وقال: «إن الولايات المتحدة تدين قرار الحكومة الروسية بإغلاق مكتب دويتشه فيله فى موسكو»، ولم يتطرق أى من المتحدثين أو المهتمين إلى قرار الغرب، وهو ما بدا انحيازا أو تفضيلا لنوع واحد من التضليل، مع رفض النوع الثانى، وعندما أصدرت روسيا قانونا جديدا يفرض الغرامة والسجن على من ينشر «معلومات كاذبة» تتعلق بالقوات المسلحة أو يدعو إلى فرض عقوبات على موسكو، فى المقابل قررت مؤسسات إعلامية غربية الحد من أنشطتها فى روسيا من بينها وكالة «بلومبرج» وشبكة «سى إن إن» و«بى بى سى»، وهيئة الإذاعة الكندية «سى بى سى»، وأعلنت وقف التقارير الواردة من روسيا.
وكانت الحكومة الروسية حجبت موقعى «فيس بوك» و«تويتر» واتهمتهما بالازدواجية والانتقائية فى النشر، الأمر الذى يجعلهما طرفا فيما اعتبرته روسيا حرب التضليل، ولم تكن أدوات مثل فيس بوك وجوجل ويوتيوب وتويتر وغيرها بعيدة عن التأثير والتأثر، وهو ما استدعى من الذاكرة تجارب 12 عاما ماضية لعبت فيها أدوات التواصل دورا فى عقد الربيع العربى الذى يمتد من عام 2011، حيث لم يكن الأمر خاليا تماما من التعامل القصدى والتوجيه، وأحيانا التضليل الذى دفع كثيرين لاتخاذ مواقف بناء على ما تبثه هذه المواقع.
وقد أعلنت الهيئة المسؤولة عن تنظيم الاتصالات فى روسيا، أنها حجبت موقع «فيس بوك» التابع لشركة «ميتا بلاتفورمز»، ردا على ما قالت إنها قيود على الدخول إلى وسائل الإعلام الروسية على منصته، وقالت إنها رصدت 26 حالة تمييز من «فيس بوك» ضد وسائل إعلام روسية منذ أكتوبر 2020، مع تقييد الدخول لقنوات مدعومة من الدولة مثل روسيا اليوم ووكالة الإعلام الروسية.. فى الوقت نفسه، قرر موقع فيس بوك ردا على قرار حجب المنصة فى أنحاء روسيا، منع صناع المحتوى من الروس من نشر أى إعلانات تابعة لهم بجميع أنحاء العالم، كما أوقفت العديد من منصات التواصل الاجتماعى الأخرى نشاطها داخل روسيا بما فى ذلك تويتر وسناب شات، لكن هناك طرقا لتخطى المنع والدخول إلى هذه المواقع، ظهرت من خلال استمرار بث كثيرين لبوستات وتويتات من داخل روسيا، لكن الأمر بالفعل اتخذ شكلا لحرب سوشيالية، تخضع لإملاءات وتوجهات الحكومات، وتربط القرار فى هذه الشركات العملاقة بمصالح الغرب، وهو ما دفع معلقين روس ومستقلين لاتهام الغرب بمخالفة كل ما يدعو إليه من قيم الحرية والتفاعل.
لكن الواقع أن أدوات التواصل أصبحت طرفا فى كل صراع، ومنها الجدل بالأرشيف، خاصة أن روسيا ليست بعيدة عن توظيف واستخدام أدوات التواصل، فى حربها الدعائية، فى مواجهة حرب دعائية من طرف آخر، حيث تم عرض فيديوهات للرئيس الأمريكى السابق ترامب، فى حديث مع مذيع أمريكى، قال له إن بوتين قاتل، ورد ترامب بأن لدينا قتلة من القادة، وضرب مثلا بما جرى فى العراق، وهى النقطة التى تبقى مثالا يحرص كل من ينتقد الغرب على التذكير به، وسط حملات يتهم كل طرف الآخر بالتضليل، بينما يتسامح مع ما يمارسه، بينما لا يوجد فى الواقع تضليل محبب وآخر مكروه، حيث تبقى الحقيقة هى الضحية الأولى، وتنتهك الديمقراطية ممن يرفعون راياتها.