فى الماضى عندما كان يجرى الحديث عن تراجع أو ارتفاع مؤشرات الاقتصاد والبورصات العالمية، يبدو الأمر كنوع من اللوغاريتمات لا تهم المواطن فى شىء، ومع بداية الألفية ظهر أكثر عولمة الاقتصاد، عندما يجرى الحديث عن انخفاض مؤشر نيكى فى طوكيو وهانى سنج وشنغهاى والعقود الآجلة لسلاسل الغذاء والنقل فهى تنعكس وتؤثر على أسعار «الأكل والشرب» والملابس.. إلخ.
وبعد أسبوعين فقط على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا والصراع مع أوروبا اشتعلت الأسواق العالمية وظهرت هزات فى الاقتصاد العالمى، بتأثيرات زلزالية، يتوقع أن تتسع تأثيراتها إلى سنوات مقبلة، فى وقت لم يفق العالم من تأثيرات جائحة كورونا، التى بدأت تأثيراتها تظهر فى صورة تضخم وارتفاعات للأسعار بعد ارتفاع تكاليف الشحن.
وتأتى الأزمة الروسية لتكشف عن آثار تثير مخاوف العالم، حيث يترابط الاقتصاد بشكل أكثر مما يبدو فى الواقع، حيث تم فرض عقوبات غربية على الاقتصاد الروسى، من خلال وقف أنظمة التحويل البنكى «سويفت» أو وقف التعامل مع المؤسسات الروسية، وبالرغم من استمرار تدفق النفط والغاز الروسى إلى أوروبا فقد قفزت أسعار النفط إلى مستويات قياسية جديدة وارتفاع نسبة التضخم العالمى والركود، وما زال خطر فرض حظر أمريكى وأوروبى على الخام الروسى يهدد بانفجار فى أسعار النفط، الذى يدور حول 140 دولارا للبرميل، وحسب خبراء الطاقة والاقتصاد ومنهم إيثان هاريس، كبير الاقتصاديين فى بنك أوف أمريكا، فإن قطع صادرات الطاقة الروسية سيكون «صدمة كبيرة للأسواق العالمية»، وأن خسارة روسيا البالغة خمسة ملايين برميل قد تؤدى إلى مضاعفة أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل.
ويقول بنك أوف أمريكا، إن أسعار السلع بشكل عام تشهد أقوى بداية لها فى أى عام منذ عام 1915، ارتفع النيكل بنسبة 19 %، والألومنيوم 15 %، والزنك 12 %، والنحاس 8 %، وارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة 60 % والذرة 15 %، بما يعنى ارتفاع فى كل السلع وبقدر ما تدور هذه الحرب على الهواء وفى وجود المحطات ومواقع التواصل ومنصات النشر، يترابط الأمر ويبدو القلق واضحا فى كل دول العالم التى تجد نفسها مطالبة بسداد فاتورة مضاعفة للحرب، مثلما كان للجائحة.
وبما أن مصر والعالم العربى جزء من العالم، فإن الارتفاع الحاد فى الأسعار العالمية للطاقة والسلع الأولية ينعكس رغما عن الجميع على الأسعار والتدفقات، ويستلزم إجراءات وتعاملات اقتصادية لامتصاص الصدمات والتعامل بأكبر قدر من الحيطة.
خلال أزمة كورونا نجحت الدولة فى التعامل مع التداعيات الاقتصادية، حيث مكنت إجراءات الإصلاح الدولة من اتخاذ خطوات محسوبة ساهمت فى امتصاص الكثير من التأثيرات، وقبل الإفاقة تضاعف الأزمة الروسية الأوكرانية بشبح أزمة عالمية تفوق حسب التوقعات تأثيرات الأزمة المالية العالمية عام 2008.
بالطبع فإنه لا حديث للناس فى الشارع إلا عن الأسعار وتأثيرات الأزمة العالمية على الداخل، الدولة خلال أزمة كورونا لم تخف شيئا، والتزمت بما تم إعلانه، ونجحت فى مواجهة الأزمة وتقليل تأثيراتها لأقل مستوى، واليوم تواصل الدولة سعيها للحفاظ على نسبة نمو واستمرار الاستثمارات وخلق فرص عمل، من خلال القطاع الخاص والأنشطة المختلفة والمشروعات.
الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أكد أن الأولوية لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسى، حيث تبذل الدولة أقصى جهدها لامتصاص أكبر قدر ممكن من الصدمات الاقتصادية العالمية، فى أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية، والتى ضاعفت - وفقا لتقرير صندوق النقد الدولى - الضغوط التضخمية الناشئة عن اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، والارتفاع الحاد فى تكاليف الشحن، والأسعار العالمية للسلع والخدمات.
المطمئن أن الوزير قال إن الاحتياطى الاستراتيجى من القمح يكفينا 8 أشهر، بعد توريد الإنتاج المحلى فى إبريل المقبل، خاصة بعد اتجاه الدولة للتوسع فى زراعة القمح، مع الحرص على سعر مناسب للفلاح.
وفى حوار مفتوح مع رؤساء التحرير حول مستهدفات مشروع الموازنة الجديدة، قال الدكتور معيط: إن الوزارة ملتزمة بتقديم مشروع الموازنة الجديدة لمجلس النواب فى الموعد الدستورى المقرر خلال هذا الشهر، بمراعاة الارتفاع الحاد فى الأسعار العالمية للطاقة والسلع الأولية، مؤكدا أن الاقتصاد المصرى بات أكثر قدرة على التعامل المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية، ومثلما نجحنا فى احتواء تداعيات جائحة «كورونا»، وأزمة الأسواق الناشئة، نستطيع معا تجاوز هذه الظروف الصعبة.
ومعروف أن كل دولار يرتفع فى سعر برميل النفط يترجم إلى 120 - 150 مليون دولار على الموازنة، وكل طن تقريبا ارتفع أكثر من مرة ونصف المرة، وبالتالى مع الاستعداد لتقديم الموازنة فإن حسابات الطاقة والغذاء تتغير وتؤثر على حسابات البنود الأخرى ومن أجل الحفاظ على نفس المعدل من فرص العمل، والحماية الاجتماعية والاستثمارات، مع الحرص على أن تكون التأثيرات فى أقل معدلاتها.
الشاهد أنه مع توقعات الانعكاسات الاقتصادية للحرب وقبلها كورونا، فإن الوضع يتطلب الانتباه إلى أهمية إجراء ترشيد عام، وفردى، للمرور من أزمة تحيط العالم ونحن جزء منه.