ذكرت دراسة حديثة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية وأعدها الباحث مصطفى عبد اللاه، أن أغلب دول المنطقة العربية ودول قارة إفريقيا إلى تسريع خططها التنموية، وذلك لرغبتها فى اللحاق بركب الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم، وهذا ما يدفع بتلك الدول إلى توجيه جانب كبير من استثماراتها نحو تطوير البنى التحتية الخادمة لحركة الاقتصاد والتجارة، مثل: تشييد الطرق والمطارات والموانئ البحرية وخطوط السكك الحديدية، ومرافق إنتاج الطاقة الكهربائية مثل السدود الكهرومائية ومحطات الخلايا الشمسية والمحطات الحرارية وغيرها، فضلًا عن تطوير المبانى الخدمية مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والمدارس، ومقرات إدارة الأعمال ومراكز تطوير التكنولوجيا.
وأكدت الدراسة أن الدولة المصرية وكدعم منها لكافة أشقائها الإقليميين تعمل على تقديم خبراتها وتجاربها فى مجالات التنمية والتعمير، وذلك لتسريع خطى تلك البلدان نحو تحقيق التطور والنهوض، ومن أهم أدوات الدولة المصرية لتحقيق هذا الهدف هو الدفع بالشركات الوطنية العاملة بمجال التشييد والبناء والمقاولات إلى أسواق الدول الإقليمية، وذلك للمساهمة فى إعادة إعمار ما دمرته الحروب والنزاعات المسلحة التى اندلعت خلال العقود الماضية، بالإضافة للمشاركة فى تشييد المئات من المشروعات الإنشائية الجديدة ذات الطابعين الاقتصادى والخدمي، التى تساعد على تقوية الاقتصادات الوطنية، وترفع من جودة الحياة المتوفرة للشعوب المحلية.
وأشارت الدراسة إلى أن تكاليف تطوير مشروعات البنية التحتية وإعادة الإعمار فى الوطن العربى وإفريقيا تُقدر الآن بآلاف المليارات من الدولارات، فالدول العربية التى عانت من الصراعات المسلحة مثل ليبيا والعراق واليمن وسوريا، تنتظر بداية عمليات إعادة الإعمار التى ستمتد على فترات متوسطة وطويلة الأمد، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لتلك العمليات أكثر من 480 مليار دولار.
ولفتت الدراسة إلى أن إفريقيا تستحوذ على نصيب ضخم من الاستثمارات المتعلقة بالبنية التحتية، فوفقًا لأحد التقديرات التى أطلقتها مؤسسة ماكينزى الأمريكية Mckinsey & Company المختصة باستشارات الأعمال، هناك مشروعات تشييد متاحة للتنفيذ فى مختلف دول القارة حتى عام 2025 بقيمة تصل إلى 2.5 تريلون دولار، كما ستؤدى الزيادة المضطردة لسكان القارة الإفريقية التى ستصل بحلول 2050 إلى قرابة 2.5 مليار نسمة، إلى زيادة الطلب على إنشاء الوحدات السكنية الجديدة بواقع 10 ملايين وحدة سنويًا، وذلك وفق تقديرات الاتحاد الإفريقى لمقاولى البناء والتشييد.
وأشارت الدراسة إلى أن الازدهار العمرانى الذى شهدته الدولة منذ عام 2014م أدى إلى تحفيز العديد من المستثمرين المحليين إلى دخول مجال مقاولات التشييد والبناء، لذلك يوجد فى مصر الآن أكثر من 20 ألف شركة مسجلة على قوائم الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، ويصنفهم بدوره إلى سبع فئات مختلفة على حسب مجموعة من المعايير، مثل حجم أعمال الشركة، ورأس مالها، وسنين خبرتها فى السوق، وعدد العمالة التابعة لها، والقيمة المالية لمعداتها.
ووفقا للدراسة فإن أغلب شركات المقاولات فى مصر توصف حاليًا بأنها حديثة العهد كما أنها صغيرة أو متوسطة الحجم، لذلك يأتى 80% من شركات المقاولات المصرية فى المراتب الأربع المتأخرة من تصنيف الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، فى مقابل ذلك توجد أكثر من ثلاثة آلاف شركة مصرية كبرى ضمن الفئات الأولى والثانية والثالثة من تصنيف الاتحاد، وتتميز تلك الشركات بامتلاكها سجل أعمال كبيرًا من المشروعات السابقة، بالإضافة إلى العديد من المؤهلات الأخرى المطلوبة للعمل فى المشروعات الدولية.
وأوضحت الدراسة أن وجود العديد من الفرص التنموية فى قارة إفريقيا وإقليم الشرق الأوسط، دفع بالعديد من الدول إلى محاولة السيطرة على أكبر الحصص الممكنة من استثمارات المقاولات، وتُعتبر الساحة الإفريقية أفضل مثال لتصوير هذا التنافس المحتدم بين دول العالم المُصدرة لصناعة التشييد البناء، فوفقًا لتقرير Africa Construction Trends Report الصادر عن مؤسسة ديلويتى DTTL Delloitte البريطانية المختصة فى استشارات وتقييم الأعمال، كان عدد المشاريع الكبرى المنفذة فى إفريقيا عام 2020م هو 385 مشروعًا بقيمة مالية تجاوزت 399 مليار دولار أمريكي.
وتشهد العديد من دول الشرق الأوسط حاليًا حالة متصاعدة من التنافس بين شركات التشييد والبناء الإقليمية والعالمية، وذلك لرغبة تلك الشركات فى الحصول على حق تنفيذ المشروعات المزمع تنفيذها فى إطار تطوير البنية التحتية لبعض الدول، أو فى إطار برامج إعادة الإعمار بالدول التى شهدت عددًا من الصراعات خلال السنوات الماضية.
ووفقا للدراسة، توجد العديد من الفرص المتاحة أمام الشركات المصرية العاملة فى مجال مقاولات البناء والتشييد، وذلك لتوسيع دائرة أعمالها بالأسواق الإقليمية فى الدول الشقيقة على المستويين العربى والإفريقي، لكن حجم المنافسة الكبير الذى ستواجهه شركاتنا الوطنية فى الخارج، يتطلب منا تنسيق مجموعة من الخطوات المتكاملة وذلك لتعزيز مكانة المقاول المصري، وهو ما سيضمن بدوره حصول مصر على حصص جيدة من سوق التشييد والبناء عربيًا وإفريقيًا.
وقالت الدراسة إن أولى الخطوات التى يجب أن تراعيها الجهات المختصة، هى ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لتصدير صناعة مقاولات التشييد والبناء إلى الدائرتين العربية والإقليمية، حيث تساهم مثل تلك الاستراتيجيات فى تنسيق مجهودات الأطراف الفاعلة فى الصناعة، سواء كانت جهات حكومية أو مؤسسات تابعة للقطاعين العام والخاص، مما يعظم بدوره من إمكانات قطاع التشييد والبناء المصرى أمام المنافسين الخارجين، ويساعد الشركات الوطنية على التكامل فيما بينها فى حال الاحتياج لتخصصات فنية مختلفة بأى مشروع إنشائى محتمل.
كما يمكن للحكومة المصرية أن تنسق برامج تحفيزية للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة بمجال مقاولات التشييد، والتى يقدر عددها الآن بأكثر من 16 ألف شركة، وذلك لكى تطور من إمكاناتها وقدراتها مع مرور الوقت، وهو ما سيؤهلها فيما بعد لمضاهاة المعايير الدولية التى تسمح لها بالعمل فى المشروعات الخارجية، بالإضافة إلى ذلك تستطيع الجهات المختصة دمج الشركات المصنعة لمواد البناء والمنتجات التكميلية ضمن أى استراتيجية مزمعة للتصدير العقاري، وذلك للاستفادة من إمكانات الصناعات المصرية فى تنفيذ المشروعات الخارجية، مما يعود بفوائد مضاعفة على الاقتصاد الوطني.
ويجب على الدولة المصرية أن تستمر فى مساعيها السياسية لعقد الاتفاقات والبروتوكولات مع الدول الشقيقة فى إقليم الشرق الأوسط وأقاليم التكتلات الاقتصادية الإفريقية الثلاث، من أجل تسهيل عمليات دخول وخروج الشركات المصرية وأفرادها ومعداتها، وإزالة كافة القيود الإدارية والتمويلية التى قد تعطل أعمال تلك الشركات أو تحد من قدراتها. كما يجب على الدولة أن تستمر فى خططها القائمة لتقوية مكاتب التمثيل التجارى الخارجي، والتى تسهل على الشركات الوطنية الحصول على المعلومات المطلوبة حول طبيعة المشروعات التنموية المطروحة أو محل الدراسة فى أى دولة، كما تساعدها فى التغلب على المعوقات المحتملة وقت تنفيذ المشروع.
وإلى جانب ذلك، يجب على الجهات المختصة أن تراعى توفير شبكة كبيرة من فروع البنوك الوطنية بالدول المستهدفة فى استراتيجيات تصدير صناعة مقاولات لبناء والتشييد، حيث يسهل وجود فروع البنوك الوطنية فى تلك الدول عملية إصدار خطابات الضمان وتحويل المبالغ المالية لتنفيذ المشروعات الإنشائية المختلفة، مما يحقق سرعة ومرونة لشركات المقاولات فى إنجاز الأعمال.
وشددت الدراسة أنه يتعين على الحكومة المصرية أن تهتم بملف الدعاية والترويج لصناعة التشييد والبناء بداخل الدول المستهدفة فى استراتيجيات التصدير العقاري، وذلك لعرض قدرات شركاتنا المصرية العاملة فى هذا المجال والتى ظهرت بوضوح مع تنفيذ المئات من المشروعات الإنشائية داخل وخارج البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، كما يجب على الحكومة أن تهتم أيضًا بتنظيم المعارض الدولية بتلك الدول المستهدفة فى استراتيجيتنا التصديرية، وذلك لتحقيق التواصل المباشر بين العملاء المحتملين وممثلى شركات المقاولات الوطنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة