امتدت الثورة ضد قوات الاحتلال الفرنسى إلى أسيوط، التى وصلها الجنرال «دافو» بقواته يوم 16 إبريل 1799، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية»، يذكر أن فلول الأهالى والعرب الذين انهزموا فى جرجا وجهينة انسحبوا شمالا، يحميهم أهالى القرى التى فى طريقهم حتى وصلوا قريبا من أسيوط، ومعهم نحو مائتين من المماليك، فأخذوا يحرضون الناس على الثورة ويستحثونهم لقتال الفرنسيين.
يضيف الرافعى، أن الثوار اتخذوا من «بنى عدى» معسكرا للثورة، يصفها قائلا: بلدة كبيرة واقعة على أطراف الصحراء غربى منفلوط وعلى طريق الواحة، وكان لها أهمية كبيرة بالنسبة لموقعها وعدد سكانها وثروتها، واشتهر أهلها من قديم الزمان بالقوة وشدة البأس، فكانوا فى عهد المماليك يقاومون مظالهم، فاتخذها الثوار مركزا لهم، واجتمع بها ثلاثة آلاف من الأهالى المسلحين، وانضم إليهم 450 من العرب المصريين وثلاثمائة من المماليك، وكانت هذه قوة لا يستهان بها.
يذكر الرافعى، أن الجنرال «دافو» سار بقواته قاصدا «بنى عدى» للاستيلاء عليها وقمع الثورة فيها، ولما وصل إليها فى 18 إبريل، مثل هذا اليوم، 1799، وجد أهلها جميعا يحملون السلاح ويتحفزون للقتال، وكان المماليك لا يزالوا بعيدا فى الصحراء، فعهد «دافو» إلى الكولونيل «بينون» باحتلال غابة يتحصن فيها طلائع الأهالى، فتمكن من إجلائهم عنها وارتدوا إلى البلدة، فتعقبهم «بينون»، ولما اقترب من المدينة، أطلق الأهالى الرصاص على الجنود من المنازل، فأصيب «بينون» برصاصة أردته قتيلا.
بعد قتل «بينون» تولى قيادة الفرنسيين ضابط اسمه «راباس»، واستمر جنوده يقاتلون الأهالى، حتى حضر المماليك لنجدتهم، لكنهم ارتدوا فور اشتباك الفرنسيين معهم، وعادوا إلى الواحة التى قدموا منها، وتركوا أهالى بنى عدى وحدهم يتلقون هجمات الفرنسيين، يؤكد الرافعى: اشتبك الفريقان فى معركة حامية دارت رحاها فى طرقات بنى عدى وفى بيوتها التى حصنها الأهالى، وجعلوا منها شبه قلاع، كان الرصاص ينهال منها على الجنود، فلقى الجيش الفرنسى فى بنى عدى من المقاومة ما لم يلق مثله فى كثير من البلاد.
يصف الرافعى وقائع المعركة، قائلا: استمر القتال إلى الليل، وانتهت المعركة بغلبة المدافع والنيران الفرنسية على مقاومة الأهالى، ذلك أن الفرنسيين لما عجزوا عن الاستيلاء على «بنى عدى» لجأوا إلى وسيلة الحريق التى اتبعوها فى أبنود وغيرها، فأضرموا النار فيها، وامتدت إلى بيوتها كافة، وأصبحت البلدة كأتون من نار، وبهذه الوسيلة غلب الجيش الفرنسى على مقاومة بنى عدى واحتلها الجنود وأمعنوا فى أهلها قتلا ونهبا، ينقل الرافعى عن الجنرال «برتييه» رئيس أركان حرب الحملة الفرنسية فى مذكراته: أصبحت بنى عدى أكواما من الخرائب، وتكدست القتلى فى شوارعها، ولم تقع مجزرة أشد هولا مما حل ببنى عدى.
يضيف الرافعى: قدر الجنرال دافو عدد القتلى من الأهالى بألف قتيل، وقدرهم الجنرال ديزيه فى تقريره إلى نابليون بونابرت بنحو ثلاثة آلاف، يوضح الرافعى: الواقع أن معظمهم مات فى الحريق الذى أضرمه الفرنسيون فى البلدة، واحتل الجنود البيوت بحجة التفتيش عن الثائرين، فنهبوا ما تصل إليه أيدى اللصوص، وكانت بنى عدى مشهورة بما كان يأتيها من القوافل القادمة إليها، وما كان يحفظه فيها أعيان البلاد المجاورة من الودائع، فنهبها الفرنسيون واستولوا على صناديق مملوءة بالذهب والمال.. يذكر«الرافعى» أن «دافو» قال عن النهب الذى وقع فى بنى عدى: إن الغنائم التى استولى عليها الجنود عوضتهم ما فقدوه، وكثير منهم كان نصيبه 15 ألف فرنك، وبعضهم 70 ألف فرنك ذهبا، وقال ديزيه: إن غنيمة جنودنا كانت عظيمة، وكثيرون استولى الواحد منهم على عدة آلاف ريال.
وصلت فظائع الفرنسيين فى «بنى عدى» إلى القاهرة، فكتب عنها الجبرتى فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» قائلا: حضر إلى مصر الأكثر من عسكر الفرنسيين الذين كانوا بالجهة القبلية، وضربوا فى حال رجوعهم «بنى عدى» بلدة من بلاد الصعيد مشهورة، وكان أهلها ممتنعين عليهم فى دفع المال والكلف، الغرامات، ويرون فى أنفسهم الكثرة والقوة والمنعة، فخرجوا عليهم وقاتلوهم، فملك عليهم الفرنسيون تلا عاليا، وضربوا عليهم بالمدافع فأتلفوهم، وأحرقوا جرونهم، ثم كبسوا عليهم وأسرفوا فى قتلهم ونهبهم، وأخذوا شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز «المماليك» وغيرهم من مساتير أهل البلاد القبلية لظن منعتهم.
يعلق الرافعى، على ما ذكره الجبرتى عن موقف المماليك فى الوجه القبلى، قائلا: رماهم بالجبن وعدم الثبات فى ميادين القتال، فقد ذكر فى حوادث شعبان سنة 1213 هجرية أن السفار، المسافرين، أخبروا بأن مراد بك ومن معه ترفعوا «ابتعدوا» إلى قبلى، ووصلوا إلى عقبة الهواء، وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا، ولقد داخلهم من الفرنساوية خوف شديد، ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة