«أتعرف من سيرث الأرض؟ إنهم تجار السلاح، لأن الناس سيحتاجون دائما لأن يقتلوا بعضهم البعض»، كانت هذه جملة الختام على لسان بطل فيلم أمير الحرب «Lord of War»، بطولة نيكولاس كيدج.
وتبدو هذه المقولة أكبر تعبير عما يجرى من حرب فى العالم، ومنها الصراع الدائر فى أوكرانيا، والذى بدأ وأطرافه ليسوا فقط روسيا وأوكرانيا، لكنهم أوروبا والولايات المتحدة، ويتوقع أن تكون هناك أطراف أخرى تنتظر، أو يتوقع أن تدخل وتكون طرفا فى الصراع.
ربما تكون الحرب فى أوروبا اليوم هى الأكثر وضوحا، لكن على مدى أكثر من 40 عاما، هناك حروب وصراعات فى مناطق كثيرة من العالم، بعضها أهلى، والآخر بين دول وأخرى، وهى حروب وصراعات تشهد تدفقات للسلاح والموت، بشكل مستمر، والسلاح تنتجه وتصدره مباشرة أو عن طريق وسطاء، دول ترفع شعارات التحضر، وتبذل جهودا مضنية للدعوة إلى السلام.
وهناك سؤال مطروح دائما: لماذا لا تتوقف الحروب فى العالم ويحل السلام، ويتم توجيه التكاليف لمواجهة الفقر وتداعيات المناخ؟ السؤال بسيط، لكن إجابته تشير إلى أن توقف الحرب يعنى إفلاس تجار الخوف والسلاح فى العالم، ومن المفارقات أن دولا أفريقية تشهد صراعات أهلية وبينية، ويمتلك أطراف النزاعات أسلحة، بينما يصعب عليهم امتلاك طعام أو كساء، ومواطنوهم لا يجدون قوتهم، لكن يمكنهم أن يجدوا بنادق وطلقات ليقتلوا بعضهم البعض.
فيلم «أمير الحرب» كان يحكى عن دور تاجر أسلحة يسافر إلى بلدان العالم الثالث ليبيع الأسلحة الخفيفة والثقيلة لطرفى النزاع فى حرب أهلية، ويجنى أرباحا ضخمة ويستمر فى تجارته، وهذا التاجر رمز لما يجرى فى العالم، حيث هناك دائما مجال لصراع بين طرفين أو أكثر، وهناك من يدفع تكلفة هذه الحروب، ويغذى الخوف لدى كل طرف ليمتلك المزيد من السلاح.
فى الحرب الدائرة بأوكرانيا، هناك أطراف متعددة تعلن رغبتها فى وقف الحرب، والتفاوض، لكن نفس الأطراف تبيع مضادات الدبابات، والصواريخ، والطائرات المسيرة، فى حرب تستقطب المزيد من التوتر، وتنذر أحيانا بتطورات قد تصل لاستعمال أسلحة نووية، حدث أن لوحت كل الأطراف باستعمالها فى حال تطور الصراع، كل هذا مع تداعيات اقتصادية تهدد العالم كله، وليس روسيا وأوكرانيا فقط، خاصة مع وجود نية لدى أطراف الصراع، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، حيث تتمسك روسيا بمطالبها تجاه تحييد أوكرانيا، ورفع الضغط من حلف الأطلنطى على الأمن القومى الروسى، بينما يصر الغرب والولايات المتحدة على إبقاء العقوبات والحصار على روسيا حتى مع انتهاء الحرب، ونشرت «واشنطن بوست» تقريرا أكدت فيه أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعملون على إعداد استراتيجية جديدة رامية إلى إضعاف روسيا وعزلها على المدى الطويل وإضعافها كهدف استراتيجى طويل الأمد، وفى المقابل تجد موسكو فى هذا التقرير تأكيدا لما أعلنته بأن الأمر ليس مجرد تكتيك للناتو بأوكرانيا، لكنه استراتيجية تسعى بها الولايات المتحدة لحصار روسيا.
وأمام هذا الموقف، لا تبدو أن هناك رغبة لإنهاء الحرب أو السماح بالتفاوض وصولا للسلام، وبالتالى فإن احتمالات تضاعف تأثيرات الحرب على اقتصادات العالم واردة ومتصاعدة، وفى مقال كتبه ألفريد كامر مدير الإدارة الأوروبية فى صندوق النقد الدولى، وعدد من خبراء البنك، هناك تشاؤم تجاه تأثيرات الحرب على الاقتصاد العالمى، وليس فقط على روسيا وأوكرانيا، ويرى الخبراء أن ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، ما يؤدى إلى تآكل الدخول وإضعاف الطلب، بجانب انقطاع التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين فى الخارج وتدفقات اللاجئين، وتدهور الاستثمارات، ويرون أن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود يحمل مخاطر أكبر من حدوث قلاقل فى بعض المناطق، من أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، مع زيادة احتمالات زيادة انعدام الأمن الغذائى فى بعض أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط.
وإذا كانت أوروبا وأفريقيا وقارات العالم تدفع ثمن الحرب، ومع هذا تتواصل جهود إشعالها أكثر مما يحدث فى جهود إطفائها، تعود مقولة أمير الحرب لتفرض نفسها، باعتبار أن تجار السلاح، هم «أشرار ضروريون»، يحتاجهم هؤلاء الذين يربحون من الخوف والحرب على حساب آخرين.