<< والدى عشق الموسيقى الغربية لنهاية حياته وكان يسمع لموتسارت وهو الوحيد من الشرق الأوسط الحاصل على جائزة الجامعة الأمريكية بالولايات المتحدة للمحافظة على موسيقى الشرق
<< أبى مكتشف نفسه ولم يولد كفيفا ولكن السبب كان خطأ في العلاج وحفظ القرآن في سن 9 سنوات
<< المسحراتى كانت ملحمة وفضّل أبى تقديمها بالإذاعة ولم يرغب في تقديمها للتليفزيون لأنه كان يرى ضرورة أن ترتبط كلمات فؤاد الحداد بالخيال
رجل لا نجد مثله الكثيرين في حياتنا، استطاع أن يواجه كل المصاعب التي لازمته منذ بداية حياته، واستطاع أن يصنع تاريخا كبيرا لنفسه، فرغم مرور 25 عاما على وفاته فإن الشعب المصرى ما زال يتذكر أعماله الغنائية والإعلامية، كان له الفضل في ظهور العديد من المطربين، والكثير من الأفكار الدرامية وتلحين الإعلانات، ولم يمنعه فقدان بصره من صغره أن يحقق حلمه ليصبح أيقونة لا تتكرر، إنه الفنان والمطرب والملحن سيد مكاوى.
في الذكرى الـ 25 لوفاته، التقينا ابنته السفيرة إيناس سيد مكاوى، لتحكى لنا عن العديد من الجوانب الخفية في حياة هذا الرجل العظيم، وكيف بدأ حياته بحفظ القرآن ثم قراءة القرآن في المجالس، وبعد ذلك التحاقه بالإذاعة كمطرب، ثم كمطرب وملحن، وحكاياته في معهد الموسيقى العرب، ولماذا لم يتم تقديم عمل سينمائى عن حياته؟ وذكرياته مع المسحراتى وغيرها من الأسرار والكواليس في الحوار التالى..
في البداية.. كيف كانت لأسرة سيد مكاوى دورا في اتجاهه لحفظ القرآن ؟
لتعيد الأمور إلى حقيقتها فسيد مكاوى هو مكتشف نفسه، أي أنه هو من سعى لحفظ القرآن وهو طفلا صغيرا كفيفا ومن أسرة فقيرة، وكان وكفيفا بسبب خطأ فى العلاج ولم يولد كفيف وهو الذى حرص أن يذهب إلى الكتاب وذلك فى حدود الأسرة ومعرفتها، وقصصه فى الكتاب كثيرة ومضحكة وحفظ القرآن فى عمر 9 سنوات وامتهنها مهنة يتكسب منها ويصرف على عائلته منها.
كيف امتهن قراءة القرآن؟
منذ أن كان عمه 11 عاما كان يعمل ويعطى لأسرته الأموال ليعيشون بها، فوالدى ولد بعد السنين الأولى، حيث توفى والده ولكن هذا الرجل الإعجاز حتى الآن لم أفهم كيف تمكن من فعل كل هذا رغم ضعف الامكانيات، فهو قال لى إن حلاوة صوته صغيرا كانت تجعل الأسر تأتى به ليقرأ القرآن وخاصة فى مجالس النساء وظل كذلك سنوات ثم حفظ شئ يسمى "الموّلد" وليس المولد وهو نوع من الغناء الصوفى والذى يحيط الأضرحة وحفظه عن ظاهر قلب.
هل حفظه لهذا النوع من الغناء الصوفى أثر على أغانيه؟
أتذكر أنه كان فى ليلة محمدية فى ذكرى النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى تلك الليلة وكانت عام 1985 صال وجال لمدة ساعة ونصف على المسرح من غير ما أحد من الفرقة الموسيقية يمسك آله، فأغنية مولد النبى جاءت له وهو على المسرح فأخرج المخزون الذى لديه منذ صغره عندما حفظ هذا النوع من الغناء الصوفى، والفرقة الموسيقية حينها توقفت ولم تستطع أن تجاريه حيث أخرج المخزون من الطفولة فكانت هذه مرحلة النضج .
كيف اكتشف سيد مكاوى موهبته في الغناء؟
والدى كان يقول لى إن المزيكا أخذتنى وتعرف على الموسيقى من القرآن الكريم، فمنذ صغره عندما كان يعرف أن هناك أى أي حفل يقدمه مطرب فى أى محافظة، كان يذهب ويحضره وفؤاد حداد وصفه في نور الخيال وصنع الأجيال بأنه كان طفلا يتلصص بين العيال لأنه ليس لديه القدرة المادية كى يحضر الحفلة، ولا يستطيع أن يمنع نفسه بأن لا يصل للحفلة.
لماذا كانت بداية سيد مكاوى في الإذاعة كمغنى وليس ملحن؟
لأنه دخل كمطرب فى الاذاعة، وحينها الإذاعة كانت تقدم برامج صباحا الناس تغنى فيها لايف وليست أغانى مسجلة، فكانت تغنى داخل الإذاعة على الهواء فهو دخل فى هذا الاطار، وكان صوته جميل للغاية.
المطرب والملحن سيد مكاوى
من الذى شجعه على الدخول للإذاعة؟
سيد مكاوي في حياته بجد، ليس إلا الله له فضل عليه حقا، لأنه لم يشجعه أحدا، وكل ما يكتب وجهات نظر، فكانت يعرف ماذا يريد، وأنا عشت مع شخص لم يعرف حدود لحلمه برغم إمكانياته المنعدمة، وهو في حياته بعد ذلك، كانت الناس تلجأ له في حل مشكلات كبرى بين الناس.
لماذا تجه سيد مكاوى للتلحين بعد أن أصبح مطربا؟
لأنه ملحن، وأنا لم أعلم مصدر قوة سيد مكاوي، ولكنها نفحة من نفحات الرحمن له، وكان يقول لي إنه كان يذهب إلى معهد الموسيقى العربية يجلس في الحديقة، وهو يصف هذه الجنينة بأنه كان بها بشوات وبكوات مصر، ويستمع إلى محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي في هذه الأجواء، وكان يقول لي فلان يلحن يطلع في دماغي لحن ثاني مختلف، لذلك هو من اكتشف نفسه بنفسه، وسيد مكاوي عرف قدرات روحه وثقته بالله سبحانه وتعالى هي التي منحته هذه القدرة.
سيد مكاوى المحلن والمطرب
كيف كانت فترة حياته مع معهد الموسيقى العربية؟
عندما غنى سيد مكاوي، كان بمثابة سوشيال فكر وكان لديه علاقات وعندما تنظر له لا بد أن تحبه، وهذا الشخص عندما تقابله مرة، أنت من تسعى بعد ذلك لتقابله مرة أخرى، وبدأ يتعرف على أناس بمعهد الموسيقى العربية، منهم إبراهيم بك رأفت ومحمود بك رأفت، وهؤلاء من الناس الذين أخذوه صغيرا وأطلعوه على كل ما لديهم من مخزون موسيقى، وهما كانوا بكوات، واحد يعزف على كمان وأخر يعزف على آلة قانون، وهذا كان الجو في مصر في هذا الوقت، ومنهم تعرف على الموسيقى الغربية التي أحبها وعشقها لنهاية حياته وهذا الجانب ربما لا يعرفه الكثيرون عن سيد مكاوى، فكان يسمع لموتسارت، وهو صاحب مقولة الإغراق في المحلية هو باب الوصول للعالمية، فسيد مكاوي ألحانه مختلفة تماما، الوحيد الذي حصل من الشرق الأوسط كله على جائزة الجامعة الأمريكية بالولايات المتحدة للمحافظة على موسيقى الشرق، وهو تفرد في ذلك لدرجة أن جاء هذا التقييم وحصوله على الجائزة، فكان لديه دائما الشغب في الاضطلاع والرغبة في استيقاء المعلومات وتنمية مواهبه.
السفيرة إيناس ابنة سيد مكاوى
كيف جاء انضمام سيد مكاوى لـ"المسحراتى"؟
في البداية تم عمل عدة تجارب للمسحراتى ولكن لم تنجح، وبعد ذلك تم إعطاء 5 ملحنين بـ 5 مؤلفين لتقديم المسحراتى، وتم اختيار سيد مكاوي وفؤاد حداد للمسحراتي التي عاشت معانا كل هذا الزمان، والناس يختلط عليها بأن المسحراتي أغنية أو عمل واحد، ولكن كان 30 حلقة كل عام في الإذاعة وحتى انتهى من الـ30 حلقة للتليفزيون لسبب أنا أعلمه، رغم رفضه في البداية لتقديم هذه السلسلة للتليفزيون.
سيد مكاوى فى المسحراتى
لماذا رفض تقديم المسحراتى للتليفزيون في البداية؟
كان أبى يريد أن يعتمد المسحراتى وكلمات فؤاد الحداد على الخيال للمستمع في الإذاعة، هو كان يحب أن تبقى الأمور على الخيال من خلال الإذاعة.
سيد مكاوى له الفضل بأن يكون هناك تيترات للمسلسلات الإذاعية والتليفزيون كيف كان ذلك؟
لم يكن هناك مقدمات للمسلسلات سواء الإذاعية أو التليفزيون قبل سيد مكاوي، بل كان صوت المذيع، يتحدث عن المقدمة والحدوتة الخاصة بالمسلسل ثم يبدأ المسلسل، ولكن اقترح أبى أن يكون هنام تيتر ومقدمة للمسلسلات فكان هذا من اختراعه ولم يستنبطه من الخارج على الإطلاق، وكان يرى ضرورة أن يكون هناك تيتر ومقدمة تمثل تهيئة للعمل الدرامى وتلخصه وتدخل الإنسان في وجدان هذا العمل فكريا، وبدأ هذه الحكاية في مسلسلات لايت كوميدي، لأمين الهنيدي ومحمد رضا وصفاء أبو السعود وفؤاد المهندس، وكانت في البدايات "رضا بوند" وأبى فكرة المذيع الذى يتحدث عن المسلسل قبل بثه، بل والدى قدم تيترات المسلسلات وكان ويلحنها ويغنيها كما أن أبى أول من لحن الإعلان، ولم يكن قبل سيد مكاوي إعلان ملحن، مثل إعلان "تاكلوا حلاوة تاكلوا جاتوه تاكلوا كل اللي تحبوه"، وكمان إعلان "عمو أمين"، و"هناء وشرين"، فهو من قدم دويتو هناء وشيرين وهو يلحن أغنية يا مسهرنى لأم كلثوم في نفس الأسبوع، حيث لحن هذا الإعلان ثم لحن أغنية يا مسهرنى، حيث لم يكن يعرف المستحيل، فبعد النجاح الكبير الذى حققته أغنية يا مسهرنى، كان أول لحن يقدمه لأحمد عدوية، فهو في الفن لا يعرف المستحيل، وأتذكر أن والدى أخد لحن من مطربة كبيرة للغاية في وقتها ومهمة للغاية، وأعطاه لمطربة صغيرة للغاية ، وكانت في بداية مشوارها الغنائية.
سيد مكاوى وأم كلثوم
سيد مكاوى كان له الفضل في تقديم العديد من المطربين.. كيف كان ذلك؟
والدى قدم فنانين في كل المراحل مثل فايزة أحمد ولطيفة وقدم أصالة ، حيث جاء بها من سوريا معه على الطائرة، وساعدها حتى خروج أو شريط غنائى لها وجاء بحلمى بكر ومحمد الموجى، وغيرهم ودعمها حتى خروج أول شريط غنائى لها وأول ظهور لها بأغنية "لو تعرفوا بنحبكم" و"سامحتك كتير"، وفى بداية مشوار كل فنان لم يكن يحصل أبى على أي مليم منه حتى يصبح الفنان مشهورا ويعرفه الجمهور فابى يتركه ولا يعود له، فأصالة لم يعمل معها أبى سوى في أغنية "لو تعرفوا"، وتركها، ولطيفة عمل معها في أغنية "عند شك في أيه"، وبعد ذلك انطلقت لطيفة، فعاد والدى وغنى الأغنية .
السفيرة إيناس سيد مكاوى
لماذا أصر سيد مكاوى على أن يغنى بعد اللحان بعد أن يغنيها بعض المطربين؟
حكاية أن يغنى والدى لحنه كانت قصة كبيرة، فهناك ألحان لحنها ولم يغنيها وهناك ألحان لحنها وغناها، فكان والدى يغنى بعض الألحان عندما يجد أن اللحن لم يأخذ حقه في الغناء من المطرب فيغنيه والدى، مثل أغنية "ريح قلبى معاك"، فهو لحن الفنان عماد عبد الحليم غناه في فيلم، ووالدى غناه ، وبعدها أصبحت الأغنية مشهورة في كل دول العالم العربى، وكل مطربة تريد أن تظهر في بدايتها تكون الأغنية هي لحنها الأساسى.
ما هي أصعب المواقف التي مرت على حياة سيد مكاوى؟
سيد مكاوى لم يكن لديه مصاعب، فعلى سبيل المثال أحد أصدقائه كان وكيل وزارة فقال لوالدى "يا سيد بلاش فكرة الغناء فهى ليست فكرة جيدة، فعندما تظهر على المسرح فإن الجمهور يريد من المطرب أن ينظر له وبالتالي لن تصلح في الغناء"، وبعدها كان والدى يجلس مع المخرج أحمد بدرخان والد المخرج على بدرخان، فحكى له والدى ما حدث له مع صديقه وكيل الوزارة، وطلب من أحمد بدرخان رأيه، فلم يرد عليه أحمد بدرخان، وبعد فترة كلم والدى وقال له إن لديه في عمل سينمائى دور مغنى كفيف ، وفى الحقيقة لم يكن هناك دور مغنى كفيف في الفيلم ولكن أحمد بدرخان هو من اخترع هذا الدور خصيصا لوالدى ليؤكد له أنه يستطيع الغناء وعرض على والدى أن يؤدى الدور وبالفعل وافق والدى، وكان فيلم "العروسة الصغيرة" بطولة مريم فخر الدين ويحيى شاهين، وبالفعل والدى أدى الدور في الفيلم، فقال أحمد بدرخان لوالدى "صاحبك وكيل الوزارة هل يستطيع أن يؤدى الدور الذى قمت بتمثيله ؟"، فقال له والدى " ولا حتى ربعه"، فلم يكن هناك أي موقف يستطيع أن يقف أمام سيد مكاوى، فلم يكن هناك موقفا أصعب من أن تكون كفيف في طفولتك، ويتيم وتطرد من المدرسة لأنك كفيف ثم يدخل المدرسة مرة ثانية ثم مرة ثالثة ويعلم نفسه، فأنا حتى الآن أجد له في الأشرطة الخاصة به وهو يعلم نفسه اللغة الإنجليزية، فكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ، فلم يحصل على أي درس في اللغة الإنجليزية، وكان هناك برنامج في الإذاعة يعلم الإنجليزية، فكان يسجل الحلقات ويلحن الإنجليزى كى لا ينساه فهو نموذج يحتذى في الجلد والصبر.
لماذا لم نجد عمل سينمائى يتحدث عن قصة حياة سيد مكاوى؟
محفوظ عبد الرحمن رحمه الله كتب رواية سيد مكاوى، والفنان أحمد زكى اشتراها، لأنه كان مصمما أن يقدم عملا سينمائيا عن سيد مكاوى، لأنه كان يحبه للغاية، نظرا لأن والدى كان يعتبر أحمد زكى ابنه وسنده منذ أن ظهر أحمد زكى في مسرحية مدرسة المشاغبين، وسيد مكاوى هو من لحن أغانى مسرحية مدرسة المشاغبين، وعندما توفى أحمد زكى، قال لى محفوظ عبد الرحمن "ضاعت علينا فرصة كبيرة"، فأنا لدى هذا النوع من الإشكالية بشأن من يقدم عملا لسيد مكاوى بعد أن أصر أحمد زكى رحمه الله أن يقدم عملا لوالدى، ولكن كتب عن سيد مكاوى 3 كتب، ومحفوظ عبد الرحمن قبل وفاته بأسبوع التقيته في الأوبرا وقال لى "أريدك في أمر في غاية الأهمية"، ولكن لم أستطيع مقابلته نظرا لوفاته ، ولكن إن شاء الله سيكون هناك عمل سينمائي عن والدى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة