يعتبر كتاب "فن الأدب" من أروع ما كتب توفيق الحكيم، فقد ضم الكتاب الذى احتوى 12 فصلا آراء الكاتب الكبير الراحل فى موضوعات متعددة، كما تطرق خلاله إلى ذكرياته وطفولته وقد ذكر رمضان فى فصل فن الأدب حين قال "إذا أردت أن تعرف ما هو أروع صوت كان يبهر مشاعرنا ونحن صغار فاعلم أنه صوت الطبلة، لا طبلة جيش المظفر يسير تحت نوافذنا منشور البنود ولا طبلة حراس المحمل تدق من فوق الجبال المزوقة ولا حتى طبلة المسحراتى في رمضان بل طبلة الأراجوز".
ويقول في فصل حرمان الأبناء الذى يطرح فيه ذكريات طفولته محذرا من حرمان الأبناء الذى عانى منه مؤكدا أنه لم يحظ بما صبا إليه من لعب في الطفولة لكنه يتذكر كذلك أيام رمضان بقوله: "كم سعدنا في طفولتنا الجميلة بشهر رمضان، وكم شقينا أيضاً! من ذا الذي لا يذكر خفقة قلبه الصغير، في صباه، وهو أمام حانوت "السمكري" يقلب أنظاره الشائعة، وأبصاره الزائغة، في مختلف "الفوانيس" بزجاجها ذي الألوان؟ ما أبهج ذلك الفانوس الأصفر الأخضر الأحمر المعلق في القمة، ولكن ثمنه ولا شك باهظ! تُرى هل يرضى الأهل ببذل هذه التضحية من أجله؟ إنه على كل حال لن يكلفهم شططاً ولكنه سيفعم قلبه بسرور لن يقدر الكبار مداه أبداً! ما أقسى الكبار أحيانا! إنهم قد يضنون ببضعة جنيهات لن تغنيهم، هي الفرق بين لعبة ولعبة! ولكنها في الواقع هي الفرق بين سعادة وسعادة! ما أشد نسيان الكبار! لقد كانوا كلهم صغارا في يوم من الأيام! لماذا لا يذكرون ذلك العالم السحري العجيب الذي تتفتح للأطفال أبوابه الذهبية فجأة كلما أرادوا الحصول على شيء من تلك الأشياء التي يحلمون بها.
أقول ذلك لأنى لم أظفر في طفولتي بكل ما كنت أتوق إليه من لعب، وأصبو إليه من أشياء.. فكنت أخلقها لنفسي بنفسي بخيال مشبوب، وكان من أقراني وجيراني من يملك لعباً نفيسة عجيبة تملأ حجرته، وتملؤني دهشة، أقف بينها مشدوها، وأحملق فيها معجباً، وألمسها مكبراً! وصاحبها الصغير يعبث فيها بيده الصغيرة محطماً ومحقراً! كنت ولا ريب أدرك قيمتها أكثر منه، وأرى فيها أشياء باهرة، لا تراها عيناه، لأني لا أملكها، ولا أستطيع أن أحصل عليها!
إذا جاء "رمضان"، وتطلع الطفل إلى الفانوس المزركش، فهل تترك خياله معلقاً، وأحلامه تهتز معه، وتبتاع له الفانوس لتضىء زجاجه وشمعته، وتطفئ خيال الطفل ولوعته؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة