كنت أعتقد أننا بعد الاختيار 2 ربما لا نجد الكثير لنراه فى الاختيار 3، فقد قدم العمل فى جزأيه توثيقا لمراحل صعبة وثرية بالتفاصيل، لكن الاختيار 3 بالفعل عبر الكثير من الحواجز، ونجح فى تقديم عمل يجمع ببراعة بين التوثيق والدراما، بل إن التوثيق نفسه يمثل أعلى درجات ونقاط درامية، وبشكل يجمع بين الكشف والتشويق، بالنسبة للمشاهد الطبيعى الذى يستهدف المتعة والمعرفة فى وقت واحد.
وأهم ما يقدمه هو مساحة التوثيق للأحداث المتوازية والمتقاطعة، وترك عملية الربط بينها لذكاء المشاهد، ليصل إلى نتيجة أن ما كان ينتظر دولة فى حجم مصر فى حال استمرار حكم التنظيم لعام آخر، هو مصير لا يختلف عما آلت إليه مصائر دول من حولنا، وكيف كان هناك بالرغم من حالة السيولة والفوضى، وتداخلات أجهزة وأنظمة وتمويلات، كانت هناك الأيادى والقلوب التى تمسك بالدولة وأنويتها الصلبة، وتمنع أى محاولات لإفقادها توازنها أو إدخالها فى دوامات الفوضى، بشكل يصعب عليها الرجوع إلى التوازن.
وكان يمكن بسهولة تغيير أحداث أو توسيع مساحات لأشخاص يحق لهم ذلك، لكن المفاجأة هى أن كثيرا من المشاهد قدمت وقائع حقيقية من دون تزايد أو ادعاء، خاصة فى المناطق التى يظهر فيها دور القوات المسلحة، والفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، حيث قدمه العمل وقدم دوره بدقة كبيرة، تثبت أن القوات المسلحة فى الوقت الذى تحرص فيه على حماية الدولة، فقد كانت تتعامل باحترام مع مقام الرئاسة والمؤسسات، مقابل تنظيم كان كل همه ابتلاع الدولة وتفكيك القوات المسلحة والنواة الصلبة بأى ثمن من دون أى إدراك لمعنى الدولة.
أكثر من موقف تم تقديمه موثقا بدقة، حاول فيه وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى أن ينبه الرئيس إلى خطورة التلاعب أو تجاهل الشعب أو اتخاذ قرارات أو إجراءات تثير غضب الشعب، وحتى فى وقت تصاعد الأزمات فى الكهرباء والوقود والخبز، دعا وزير الدفاع الرئيس وقتها إلى مصارحة الشعب والتعامل بشفافية لافتا نظر الدكتور مرسى إلى خطورة الإنصات إلى التنظيم، وكان يمنحه إشارات واضحة بأن عليه الاختيار بين الشعب والتنظيم، ونفس الأمر بعد الإعلان الدستورى، أو تفصيل الدستور، وحرص الفريق أول عبدالفتاح السيسى على لفت نظر الدكتور مرسى أن الجماعة وأعضاءها وقياداتها يفضلون التنظيم على الدولة والشعب، وأنهم لو عملوا للدولة لكانت النتائج مختلفة.
وفى كل حديث حرص وزير الدفاع على احترام مقام الرئاسة والمؤسسات، والقانون، مع تذكير الرئيس بها، وكان يحرص على تقديم النصح بوضوح، خاصة فى المواقف الصعبة، ومنها حصار تنظيم الإخوان للمحكمة الدستورية العليا، لمنعها من أداء عملها، وما أبداه الفريق أول عبدالفتاح السيسى من غضب وتحذير، وما حرص على توضيحه من أن الجيش لا يمكنه مواجهة الشعب، ونصح مرسى بأن يكلم الشعب وليس الجماعة.
ومقابل الحرص على الدولة وأن يقوم الرئيس بدوره لكل المصريين، كان هم المرشد والشاطر هو أخونة المؤسسات واختراق الجيش والشرطة وإبعاد كل من يعارض رغبات المرشد وتابعيه ومن يوجهونه، فيما بدا نوعا من الانتقام والثأر من مؤسسات وطنية، واستبدالها بميليشيات تابعة للجماعة، على غرار تجارب أخرى.
وربما لهذا من شدة التوثيق، أصيبت فلول التنظيم بحالة هستيرية، وهم يشاهدون كيف تم إطلاق إرهابيين من السجون، بل ودعوتهم إلى احتفال أكتوبر، ليجلس قتلة الرئيس السادات فى الصفوف الأولى لاحتفالات انتصار أكتوبر، أو تمويل المتطرفين ليقيموا مؤتمرا عن الشريعة فى مواجهة الشعب، فى خلط واضح بين سوء النية، مع سذاجة واستهانة بالشعب المصرى والدولة، وأن الدكتور مرسى كان خاضعا للتنظيم ينفذ إرادته بصرف النظر عن مصالح الشعب فى دولة كبيرة مثل مصر.
لقد كان التنظيم متعجلا لابتلاع الدولة والسيطرة على الشعب، وفرض روح متطرفة ومتعصبة تجاه الأقباط أو كل من يختلف معهم حتى فى المذهب، وكيف انتشر الإحباط فى أوساط المصريين، خلال عام واحد، بل إن التنظيم وأعضاءه بعد خروجهم بأيدى الشعب، قدموا بأنفسهم أدلة على انتهازيتهم وطمعهم وأن التنظيم بالنسبة لهم فوق الدولة والشعب، بل إنهم كانوا يستهدفون إذابة الهوية ويهاجمون كل ما بناه المصريون منذ عقود من ثقافة وتحضر وأفكار وفنون، وكل هذا من دون أن يقدموا علامة واحدة على مشروعهم الوهمى المتطرف الذى يسير نحو التبعية ويغيب عنه العقل، الاختيار 3 هو توثيق دقيق لعملية إنقاذ مصر.