الاعتذار بطريقة باردة يُعتبر في علم النفس إهانة ثانية يتعرض لها الإنسان، وهذا التحليل صحيح للغاية، فمن الحماقة أن تقدم لشخص تسببت في إهانته اعتذارًا باردًا، فكلمة الأسف لابد أن تنمّ عن الندم، أي أن الإنسان يكون على كامل العلم والدراية بخطئه، ويسعى للتكفير عنه فعلاً وقولاً، فهذا هو الأسف المُثمر الذي يُؤتي بثماره عند المُتلقي، والذي يضع المُعتذر في المكانة الراقية التي تُعليّ من شأنه وتزيده في نظر المُعتذر له.
أما أن تتعامل مع من أهنته وكأنك تتجبّى عليه باعتذارك له، مثل أن تقول له لقد اعتذرت لك لكي أريح نفسي من الحوارات، وأتجنب المشاكل، أو من أجل خاطر فُلان، أو لكي أرضيك بسبب مكانتك عندي، رغم عدم قناعتي بأنني أخطأت في حقك، فتأكد أنك في هذه الحالة تُهينه للمرة الثانية، بل إن الإهانة في هذه الحالة تكون أسوأ وأضل سبيلاً.
فالواقع أن الاعتذار في حد ذاته له فنّ وإيتيكيت لابد من تعلمه، لأن الاعتذار إما أن يُزيد العلاقة رُقيًا وسُموًا، وإما أن يضعها على حافة الانهيار.
لذا صدقوني، أن مَنْ ردّد حكمة: "لا محبة إلا بعد عداوة"، كان يقصد أن السبب في تلك المحبة هو الاعتذار الراقي الجميل، الذي نقل شخص من مكانة العدو إلى مكانة المُحبّ، فالحقيقة أن جميع التجارب والخبرات الحياتية، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاعتذار هو إحدى عناصر نجاح العلاقات الإنسانية، وقد يكون أحد أسباب دمارها تمامًا، والعبرة بالمُعتذر، فهو الذي يُحدد ما تؤول إليه تلك العلاقة. وبالمناسبة، الاعتذار لا ينال من صاحبه، بل على العكس فهو يُرقى من شأنه في عيون الآخرين، ولكن يُمكن بالفعل أن ينال من صاحبه إذا كان باردًا باهتًا وسخيفًا، فهنا سيضع صاحبه في مرتبة مُتدنية، لأنه وبلا شك يكون قد أقدم على إهانة ثانية، وهذا ما لا يتقبله الطرف الآخر.
فأجيدوا وتعلموا فنّ الاعتذار، فبه تتحدد شكل العلاقات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة