من أهم المنابر التي يجب توظيفها لكسب معركة الوعى هى بيوت الثقافة في الأقاليم، فإذا كنا نريد تنويرا حقيقياً، علينا بالعمل على إحياء الثقافة الجماهيرية من جديد لرفع المستوى الثقافى وتوجيه الوعى القومى فى مجالات السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتشكيلية ونشاط الطفل وخدمات المكتبات، خاصة أن ما تفعله المنصات الرقمية وعالم السوشيال ميديا من تزييف وطمس للهوية يستدعى منا التحرك الفوري والناجز، بوضع هذا المنبر ضمن الأولويات ومحل اهتمام.
وأعتقد أن أول هذه التحركات تبدأ من نشر الثقافة فى القرى والأرياف، وذلك من خلال أنشطة ثقافية كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والمكتبة، وما يشجعنا على هذا أن هناك بالفعل مواهب حقيقية في هذه البيوت الثقافية، ونموذجا "بيت ثقافة الفشن" جنوب بنى سويف وما يقدمه من عروض مسرحية وأعمال تستحق تسليط الضوء عليها والنظر إلى ما يقدم هناك بعين الاهتمام والاكتشاف، خاصة أن هذه العروض الفنية أحدثت حالة من الزخم سواء بالحضور الجماهيرى أو على السوشيال ميديا، وآخرها عرض مسرحى عُرض بعد واقعة قيام صفحات وهمية بنشر شائعات وحملة تشهير لعدد من مواطنين فى المدينة، لتأتى فكرة العرض المسرحى تحت عنوان أثر الشائعات فى المجتمعات، لتسليط الضوء على خطر الشائعات، وبالفعل نال العرض إشادات واسعة من قبل الحضور، رأيناها على منصات السوشيال ميديا بالمحافظة، وهو ما يؤكد أن هذا المنبر ما زال بخير، وأنه بالإمكان القيام بدوره وريادته كما كان في السبعينيات، لكن ينقصه فقط يد الدعم والاهتمام.
لذا، يستوجب على الجميع "مؤسسات وأفراد" الالتفات إلى هذه الصناعة وتوجيه الدعم بأشكاله المختلفة، للاستفادة من هذه الصناعة في حماية وتثقيف المجتمع من ناحية، ومن جهة أخرى عدم حرمان مصر من اكتشاف مواهب هم قوتها الناعمة في المستقبل، وهو ما كشفه إصرار القائمين على هذا العرض المسرحى الناجح، والتي جاء تحت عنوان "أثر الشائعات على المجتمعات" على إخراجه في قالب تراجيدى رائع، متحملين كافة الظروف والتحديات التي واجهتهم في ظل جائحة كورونا وما أحدثته من تداعيات.
وختاما.. إعادة النظر فى الخطط والبرامج لبيوت الثقافة في الأقاليم أمر أصبح حتميا لتعود إلى سابق عهدها من الريادة والوجاهة الأدبية، وانضمامها لاستراتيجية الدولة لنشر المعرفة والتصدى للأفكار المنحرفة واكتشاف المواهب باعتبارها من أهم منابر الثقافة والفن..