على مدى يومين، التقيت واستمعت إلى عدد كبير من المثقفين والسياسيين وأكاديميين ومهنيين، بينهم بعض الشباب فى مؤتمر الشباب وصناعة التغيير، الذى تنظمه الهيئة القبطية الإنجيلية بالإسكندرية، والواقع أن الحوار الوطنى، الذى دعا إليه الرئيس كان محور الحديث، وفرض نفسه على كل الجلسات، فهو موضوع الساعة، وما تم هو أنه كان حوارا حول الحوار.
تحدث الحضور بتنوع، وطرحوا وناقشوا فكرة الحوار، وما هى الموضوعات التى يفترض أن تناقش، وطرح المشاركون آراء مختلفة ومتنوعة عن الأحزاب والبرلمان والمحليات وأهمية وجود مجالس محلية، بدا من المناقشات أن هناك رغبة فى أن يكون هذا الحوار قادرا على فتح آفاق المناقشات والمجال العام، ومع توسع المطالب من الحوار وحوله، بدا أن المبادرة خلقت حالة من الحيوية، وفتحت شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتحديد أطر الموضوعات التى يفترض أن يشملها الحوار الوطنى، وكلها كانت أفكارا مهمة تعكس اهتماما من قبل كثيرين للمشاركة.
وأهم ما كشفه المؤتمر، هو وجود حالة من الحوار، وأيضا رغبة واسعة من أطراف سياسية أو أكاديمية أو نقابية فى المشاركة، وتوسيع دوائر الآراء فى الإعلام والمجالات المختلفة بالشكل الذى يسمح للأغلبية بالمشاركة، وخلال مشاركتى فى جلسة بعنوان، الشباب وإدارة التنوع، ضمن مؤتمر الشباب وصناعة التغيير، قلت إن أهم ما ترسخه دعوة الرئيس للحوار، هو بناء الثقة بين كل الأطياف، وخلق جسور للحوار يمكن من خلالها للأطراف المختلفة أن تطرح وجهة نظرها، انطلاقا من تجربة 8 أو 9 سنوات سابقة، واستفادة من تجارب 12 عاما شهدت العديد من التحولات، وأكدت على الأطراف أن تدخل الحوار ولديها هدف، أن يكون هذا الحوار لصالح المجتمع كله، ويفتح الباب للتعاون والنقاش، على أن تكون أولى خطوات نجاح الحوار هى بناء الثقة.
وبالطبع، فإن الأفكار المطروحة كثيرا ما تتسع، والبعض يرى أنها كلها مهمة، أو يرى ضغطها حتى يكون هناك إمكانية لبناء حوار، لكنها تمتد إلى كل القضايا والمشكلات المختلفة، وهو ما قد يتطلب وقتا أطول مما هو متاح، ولهذا اقترحت أن يكون الحوار مركزا فى النقاط الأولى بالمناقشة، على أن تستمر هذه الحالة فى المجتمع والأحزاب والنقابات والإعلام بشكل دائم، فيتسع حجم المشاركة، ويفتح المجال لأفكار طوال الوقت تعالج القضايا المتعددة.
قلت إن لدينا خطوات تمت على مدى السنوات والشهور الماضية، منها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى شارك فى وضعها تيارات واتجاهات مختلفة، وتتضمن كل نقاط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحريات الرأى والتعبير، وبالتالى فنحن أمام نصوص كثيرة جاهزة ومتوافق عليها، ويمكن أن تكون منطلقا للنقاش. فترة الشهور المخصصة للحوار يمكن أن تكون مقدمة وليست نهاية للحوار، وأن تكون نقطة انطلاق، وبعدها يمكن أن تصل التوصيات أو الأفكار إلى البرلمان أو الجهات، التى يمكن أن تنفذ ما بها، ليكون هناك نتائج على الأرض.
وأشرت إلى أن هناك الكثير من الخطوات تحققت على الأرض على مدى سنوات ماضية، منها مبادرات للقضاء على فيروس سى، أو نقل العشوائيات أو مشروعات الطرق والزراعة والصناعة، وحياة كريمة، وهى مبادرات وخطوات يمكن الاستفادة منها فى تطوير منظومة الصحة أو المجتمع.
تحدثت أيضا عن أهمية أن يكون الحوار اجتماعيا، يتناول القضايا المتعلقة بالمجتمع، مثل القضية السكانية، ونزيف العقول وكيفية التعامل معه، ومنه ظاهرة هجرة شباب الأطباء وهم يمثلون ثروة، وسفرهم للخارج خسارة اقتصادية واجتماعية، بعد أن تكلفت الدولة ملايين الجنيهات من أجلهم، فعدد الأطباء بالفعل أقل كثيرا من النسبة العالمية، وهذه القضية تحتاج إلى حل حقيقى، وهذه أمثلة لقضايا تتطلب مجالا لمناقشتها والبحث عن حل، وهى مجرد مثال ضمن أمثلة كثيرة، مثل أزمة العشوائيات وما تحقق فيها، وكيف نجحت الدولة فى حل هذه الأزمة، فكانت مواجهة العشوائيات من أهم المطالب قبل 25 يناير، وكيف ساهمت الطرق والمحاور فى خلق شرايين تفتح المجال للاستثمار الصناعى والزراعى، وهذه القضايا وغيرها مطروحة، لكن الأهم هو بناء الثقة وجسور التفاهم، ومنح كل الأطراف حقها فى النقاش.
الحوار الذى أتاحته الهيئة الإنجيلية، كان فى حد ذاته مقدمة لحالة حوار تفيد الجميع.