على مدى أيام تحدث عدد من السياسيين والخبراء فى برامج وفضائيات بالداخل والخارج عرضوا بها رأيهم فى الحوار الدائر، أو طرحوا وجهات نظرهم فى القضايا السياسية والاقتصادية، وتنوعت آراؤهم، وحرص بعضهم على تصنيف نفسه معارضا أو مستقلا، خاصة الخبراء، لكن أهم ما يلفت النظر أن بعض الخبراء عندما أعلنوا آراءهم أمام الكاميرات قدموا وجهات نظر تختلف قليلا أو كثيرا عن آرائهم على حساباتهم الخاصة على مواقع التواصل خاصة «فيس بوك»، وقد ينظر البعض لهذا باعتباره ازدواجية أو تناقضا، لكن الواقع أنه أمر طبيعى، لأن من يتحدث أمام الكاميرات أو فى الصحف يكون حريصا على الانطلاق من آراء يعلم أن هناك إمكانية الرد عليها، أو لكونه غالبا فى صفحات التواصل يكتب لمن هم متفقون معه وقليلا ما يجد من يختلفون معه، أو لكون «الفريندز» عادة ما يسعون لإرضاء صاحب الصفحة، وهو أمر يسير إلى أن هذه الصفحات لا تعبر بشكل حقيقى عن الآراء، فضلا عن أن هناك غالبا من يقدم نفسه لجمهور قريب منه، أو متشابه مع آرائه وليس لمختلفين معه.
وهذا لا يعنى أن هؤلاء الذين تختلف آراؤهم أمام الكاميرا مع آرائهم بين أصدقائهم ومتابعيهم على صفحات التواصل متناقضون، لكنها تشير إلى ميزة مهمة يوفرها الحوار وتوسيع المشاركة للآراء المختلفة، بشكل يضمن مناقشة وليس آراء من طرف واحد أو أطراف فردية، وهذا فى حد ذاته من فضائل الحوار، وأيضا من ميزات توسيع المشاركة، وهى التى تبنى نوعا من الثقة وتمد جسورا للتفاهم بشكل أكبر كثيرا من الإبقاء على أفراد كل منهم يتحدث من دون تفاعل.
وبالطبع فقد حرص بعض من تحدثوا على تقديم أنفسهم كمعارضين، بينما البعض حرص على تقديم نفسه مستقلا، والواقع أن أفضل صيغة هى أن يقدم المتحاورون أنفسهم بوصفهم مواطنين، لكل منهم الحق فى إبداء وجهة نظره بناء على معطيات وتصورات، مع الأخذ فى الاعتبار أن الآراء السياسية والاقتصادية بشكل عام تمثل وجهات نظر نسبية، لأنها تتعلق بتوقعات وسيناريوهات، حتى بين الخبراء الاقتصاديين هناك تفاوت فى توصيف الأزمة العالمية الحالية فى الاقتصاد أو توقع نهاية لها، بل وحتى فى توقعات الطرف الأكثر تأزما من الحرب، فإن النتائج حتى الآن غائمة، وبينما تواجه أوروبا التضخم والغلاء والأزمات، فإن روسيا واجهت قرارات العقوبات الاقتصادية بإجراءات وضعت الدول التى فرضت العقوبات من أوروبا فى موقف المتضرر، حيث تحول سلاح المقاطعة للغاز والنفط، إلى سلاح فى أيدى الروس بقدر ما هو فى أيدى أوروبا.
ونفس الأمر فيما يتعلق بأبعاد وضع الاقتصاد المحلى، ينطلق من آراء نسبية واختلافات فى رسم صور المستقبل القريب، وحتى فيما يتعلق بأولويات التنمية فإن بعض الخبراء دعوا إلى تأخير أو توقف المشروعات الكبرى، بينما قطاع واسع من الخبراء يرى أن الصواب هو عدم توقف المشروعات الزراعية والصناعية والنقل، لأنها أنشطة ترتبط بمواجهة الأزمة، واستمرار فرص العمل، بل إن البدء فى إنشاء القطارات السريعة بخطوطها التى تربط بين موانئ البحرين الأحمر والمتوسط أو الصعيد ومناطق الآثار والشواطئ، إنها خطوط تفتح ممرات تنمية تسمح بقيام مجتمعات إنتاجية حول هذه الطرق والممرات، التى مثلت مطلبا لكثير من الخبراء على مدى عقود، ما يخدم الاستثمار والأنشطة الصناعية والسياحية ويوفر وسيلة نقل مناسبة ورخيصة وسريعة لنقل المنتجات إلى السوق الداخلى أو إلى موانئ التصدير والعكس.
هذه مجرد أمثلة لقضايا تعرض لها بعض السياسيين والخبراء، وتجد ردا وآراء تختلف معها، وهى ميزة الحوار، الذى يسمح بطرح ومناقشة وجهات النظر بشكل موسع وعدم البقاء فى صفحات فردية معزولة، ويبدأ الأمر ببناء الثقة، والجسور، بل ومنح المعلومات والمعرفة والعلم مكانها فى المناقشات.
p