"ليس هناك أكثر من خمسة ألوان أساسية، لكن مزجها يعطينا ألواناً أكثر مما يمكن رؤيتها"- صن تزو- الفيلسوف والمؤرخ العسكري الصيني الشهير، صاحب كتاب فن الحرب، هكذا يمكن أن نصف الوضع على الأرض في الحرب الروسية الأوكرانية، التي تتميز بأبعادها المعقدة، وأطرافها المتشعبة، وقواها المتداخلة، وما ينعكس على ذلك من تطورات سريعة، وتأثيرات متعددة على مستوى الاقتصاد والسياسة، فالأوضاع والظروف التي بدأت بها تلك الحرب باتت تختلف كثيراً عن الوضع الراهن، الذي تمتد تحدياته للعالم كله.
انعكست الحرب الأوكرانية بصورة مباشرة على العملة الروسية، التي استطاعت أن تصل إلى مستويات أفضل من الفترة التي سبقت الحرب، وتحسنت مؤشراتها بصورة أبهرت خبراء الاقتصاد، فقد نجح الروبل في استعادة قوته بعدما شهد انتكاسة غير مسبوقة في أول أيام الحرب 24 فبراير 2022، حين وصل الدولار الواحد إلى 120 روبل، بعدما كان في مستوى 75 قبل الحرب، بينما اليوم صار سعر الدولار في مقابل العملة الروسية 61 روبل، بمعدلات زيادة 2.5% عن الفترة التي سبقت الحرب!
الحلول الدبلوماسية مازالت عاجزة في إرساء التهدئة ودعائم السلام المطلوبة في إقليم دونباس والمناطق الواقعة شرق أوكرانيا، وستظل كذلك مادامت هناك أطراف تحاول تغذية الصراع، فالحلول تبدأ حينما تتوقف دول أوروبا وأمريكا عن إذكاء الصراع، وإخلاص النية في الوصول إلى حلول سلمية جادة من شأنها تحقيق التهدئة، بعيداً عن فكرة إمداد كييف بالأسلحة المتطورة والصواريخ طويلة المدى، والمعدات العسكرية الثقيلة.
إمداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة، وقاذفات صواريخ بعيدة المدى من طراز ميلرز، بمدى فعلي يصل إلى نحو 60 كيلو متر، كما تذكر وسائل الإعلام العالمية، لحماية مناطق النزاع، لن يقدم أو يؤخر في سياسة الحرب الدائرة الآن، خاصة أن موسكو تمتلك أجيالاً من الأسلحة أكثر تطوراً، ولديها من العدد والعدة ما يضمن لها التفوق العسكري على المدى الطويل، لكن وجود مثل هذه القاذفات طويلة المدى، سوف يطيل مدة الحرب، ويجعل الأمور أكثر تعقيداً خلال الفترة المقبلة.
الميزة النسبية التي تتمتع بها روسيا في هذه الحرب، أنها كانت تعد وتخطط لها جيداً منذ ما يقرب من 8 سنوات كاملة، لذلك لم تتأثر لديها سلاسل الإمداد أو العوامل التقليدية التي قد يخلقها أي هجوم عسكرى أو حرب مفاجئة لأى دولة، لذلك وإن بدت العقوبات الأمريكية والأوروبية على موسكو هي الأكبر والأخطر في تاريخها إلا أنها لم تؤثر في روسيا التي كانت تجهز جيداً للحرب وتعد لها، وتضع إمكانياتها وحلفائها في خدمتها، لذلك لن تتراجع الحرب الدائرة إلا مع نية سلام حقيقية لدى أوروبا وأمريكا، وتوقف مباشر عن إذكاء الصراع وإمداد كييف بالمزيد من الأسلحة.
الأسلحة المتطورة ليست حلا صحيحاً طيلة الوقت، فهى تحتاج إلى تدريب وتأهيل يستمر لفترات طويلة من أجل الوصول إلى مستوى احترافي في استخدامها والتعامل معها، فالأمر ليس كما يظن البعض، معدات يمكن التدريب عليها في أيام معدودة، بل تحتاج إلى فترات تدريب طويلة، وأظن أن الوقت لا يسمح بذلك، والوحدات المقاتلة الأوكرانية، ليس لديها رفاهية ترك مواقعها للتدريب على وحدات جديدة، لذلك جزء كبير من قضية إمداد أوكرانيا بالأسلحة للشو الإعلامي، ولن يكون له انعكاس حقيقي على مشهد الحرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة