كانت الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق صباح 13 يونيو، مثل هذا اليوم، 1974 حين تحرك القطار من القاهرة إلى الإسكندرية وفيه الرئيسين، السادات، والأمريكى «نيكسون» ومعهم 146 راكبا من بينهم الدكتور هنرى كسينجر، وزير الخارجية الأمريكية، وذلك فى اليوم الثانى لزيارة نيكسون لمصر، وفقا لما تذكره «الأهرام» يوم 14 يونيو 1974.
كانت زيارة نيكسون، أول زيارة لرئيس أمريكى لمصر، وفقا للكاتب الصحفى صلاح عيسى، فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام، الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم»، مضيفا: «كانت حملة الصحف الأمريكية على نيكسون، وصلت ذروتها، بعد أن ثبت أنه أمر بزرع أجهزة تنصت فى مقر الحزب الديمقراطى المنافس له «فضيحة ووترجيت»، وهوت شعبيته حتى أصبح الجميع يتوقعون سقوطه، وتصور السادات كما يقول محمد حسنين هيكل، فى كتابه «خريف الغضب» أنه يستطيع أن يؤثر على الرأى العام الأمريكى، ويقنعه بأن الرئيس الآيل للسقوط فى واشنطن بسبب فضيحة ووترجيت، هو صانع السلام الذى تهلل له جماهير العالم العربى، التى طالما وقفت موقف العداء للسياسة الأمريكية، فدبر له استقبالا شعبيا أسطوريا، شارك فيه المصريون الذين أوهمتهم أجهزة الإعلام الرسمية بأن من واجبهم أن يبالغوا فى الترحيب بأول رئيس أمريكى يزور بلادهم، إذا أرادوا أن تحل أمريكا كل مشكلاتهم فتضغط على إسرائيل لكى تجلو عن بقية الأراضى المحتلة، وتغدق مصر بالمعونات الاقتصادية، فينال كل واحد منهم نصيب من دولاراتها»، يضيف «عيسى»: «كتب أحمد فؤاد نجم قصيدته «حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة» و«شرفت يا نيكسون بابا»، ليفضح فى الأول زيف الأرقام التى أذيعت حول عدد الذين استقبلوا الرئيس الأمريكى من المصريين، وليشد المسخرة فى الثانية».
تنوعت وسائل الحفاوة بنيكسون ففى ليلة وصوله، أقيم له حفل فنى بقصر القبة، وتذكر «أهرام 14 يونيو» أنه بدأ بعد الساعة 12 مساء، وانتهت فى الواحدة والنصف صباح 13 يونيو 1974، وشاركت فيه فرقة الموسيقى العربية، وفرقة الفنون الشعبية برقصة «بنات قبلي»، وقدمت الراقصة سهير زكى رقصتين، الأولى ببدلة الرقص العادية ثم بالنوبى ورقصت مع العصا، ثم قدمت الفرقة القومية رقصة «البمبوطية»، ثم رقصت نجوى فؤاد، تؤكد «الأهرام»: «كان نيكسون يصفق طويلا للرقص الشرقى، كما كان يسأل عن كيفية إخراج الزغاريد التى صاحبت سهير زكى فى رقصتها».
كان السفر بالقطار إلى الإسكندرية معدا بحيث تظهر حفاوة الجماهير بنيكسون، تذكر «الأهرام»: «على طول الطريق من القاهرة إلى الإسكندرية على مسافة أكثر من 200 كيلو متر، خرجت مئات الألوف تحيى الرئيسيين، وترحب بضيف مصر الكبير، وزحفت الجموع من أبناء القرى إلى المحطات القريبة من بلادهم، وفى الساعة الثانية عشرة ظهرا وصل القطار إلى مشارف مدينة بنها، وأبطأ ليتمكن المواطنون الذين احتشدوا على جانبى شريط السكة الحديد وعلى أسطح المنازل وفى شرفاتها وفى شوارع المدينة لتحية الرئيسيين، وعلقت فى المدينة صور الرئيسيين والأعلام والزينات، وظهرت اللافتات باللغتين الإنجليزية والعربية تقول: «نحن نثق فى نيكسون، حفظ الله نيكسون، لا تنس شعب فلسطين، لا سلام بغير انسحاب كامل».
فى قويسنا، اصطف جموع المستقبلين على جانبى الطريق وفى المحطة يهتفون: «مرحبا نيكسون مرحبا بالسادات، وأطلق الأهالى أسراب الحمام الأبيض»، وفى طنطا احتشد عشرات الألوف على جانبى الطريق، واللافتات ترتفع عليها «مرحبا برجل السلام فى أرض السلام، وفى كفر الزيات خرج أكثر من مائة ألف من عمال المصانع العشرة بالمدينة، وعلى طول شريط السكة الحديد الذى يخترق محافظة البحيرة بمسافة 12 كيلومترا، اصطف الأهالى فى محطات إيتاى البارود ودمنهور وأبوحمص وكفر الدوار، وفى محطة دمنهور تم تقسيمها إلى مربعات يقف فى كل منها ممثلو إحدى الهيئات الشعبية والتنفيذية، و100 من أشبال الأندية يحملون الحمام الزاجل الذى أطلقوه بمجرد وصول القطار واحتشد الآلاف يهتفون، وفى ميدان محطة سيدى جابر امتلأت جوانبه بالمواطنين، وامتلأت شرفات المنازل المحيطة، ورفعت الأعلام المصرية والأمريكية على واجهات البيوت، وتصدرت المحطة لافتة كبيرة مكتوب عليها بجوار صورة نيكسون والسادات وعلمى مصر وأمريكا: «لقد وضعنا ثقتنا فيك». أثناء رحلة القطار جرى لقاء بين الرئيسين والصحفيين، قال فيه السادات: «إنها لحظة عظيمة أن يكون الرئيس نيكسون بيننا لكى نظهر له حقيقة مشاعرنا بالنسبة للشعب الأمريكى وبالنسبة له شخصيا، إن الرئيس نيكسون طبقا لأى مقاييس قام بدور عظيم فى منطقتنا الخطرة جدا، ولأول مرة منذ 26 سنة، وهذا هو الذى دفع الملايين من الذين رأيتموهم يحيونه، ورأيتم ما كتبوه على شرفات منازلهم وهذه الشعارات تقول «إن أمريكا نيكسون هى أمة محبة للسلام»، ولذلك فهم يريدون أن يقولوا للشعب الأمريكى أن الشىء الطبيعى جدا بالنسبة لنا أن نكون أصدقاء لكم، وأن من غير الطبيعى أن يكون بيننا نزاع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة