والبعض يحكم على المجتمع ويتخذ الجريمة مبررا للهجوم على الضحايا
مع جريمة مقتل طالبة الجامعة على يد زميلها، تزامنا مع حادث إنهاء شاب لحياته، عادت التساؤلات حول ما إذا كانت الجريمة تتضاعف، بمعدلات تفوق أى معدلات طبيعية، ونجد أنفسنا أمام موسم من الجدل، ينتهى دائما، لكنه يترك آثاره على المجتمع وعلى صورة البلد والناس، بل إن أخوتنا وأبناءنا فى الخارج، تصيبهم حالة من الحزن والغضب، والمخاوف، مع سعى البعض لرسم صورة غير حقيقية عن مجتمع متعدد يعيش فيه 105 ملايين، وهو مجتمع متنوع ومتعدد، يضم أغلبية طبيعية، وأيضا من لديهم ميول إجرامية أو انتحارية، ضمن نسب متعارف عليها فى كل المجتمعات.
وتثور التساؤلات: هل ارتفعت نسب الجرائم فى مصر عن بقية دول العالم؟ أم أنها نسبة عادية مقارنة بحجم السكان؟ وهل تحتاج دراسة؟ مع العلم إن أغلبية المصريين يعيشون حياتهم الطبيعية وبينهم قصص كثيرة لكفاح وتضحية فى مجتمع متعدد يضم أكثر من 105 ملايين أو أكثر.
كل هذا وغيره مطروح على ألسنة معلقين، وجددته جريمة المنصورة، أو حوادث إنهاء حياة، أو جرائم عائلية وهى جرائم لا يمكن تبريرها أو تجاهلها، لكنها جزء من سياق موجود ومواسم تتكرر مع تزامن بعض الجرائم مع بعضها، لكن الأمر يأخذ اتجاها آخر بفضل اتساع منصات النشر مثل المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى، فى عصر يجعل النشر والتكرار مقدمة لتقديم صورة مجتمع متوحش على عكس الحقيقة، أو خلط بين ما يواجهه المجتمع عموما، وبين تداعيات وآثار ربما لا تكون مطروحة، وبالرغم من اتساع النشر عن هذه الجرائم وتفاصيلها، لا يمكن أن يكون النشر سببا، لكن يجب إدانة كل من يصور فيديو لحظة وقوع الجريمة بما فيها من عنف، لأنها تخالف أى أخلاقيات، ولا تساعد فى مواجهة الجريمة، لكنها تفتح الباب لنشر رعب داخل المجتمع، وغالبا ما يكون النشر من قبل أفراد أو حسابات شخصية يصعب أحيانا محاسبتها.
لسنا فى معرض إنكار لهذه الجرائم، أو التقليل من خطرها وأهمية دراستها وفحصها وتحليلها، لكننا نرصد تزيدا ومبالغة فى عمليات النشر، لإرضاء غرائز المتابعة، أو نشر فيديو الجريمة، وبقدر ما تلعب الكاميرات دورا فى المراقبة، لكنها تتحول تحت يد أفراد إلى جرائم فى حد ذاتها، لكن بالنظر إلى جريمة المنصورة فإن البعض يذهب الى القول إن المتهم متعلم ومتفوق، وهو أمر لا علاقة له بالقابلية للإجرام أو الاختلال النفسى والعائلى، أو أن إقدام شاب على التخلص من حياته هربا من ضغط أو مشكلات عائلية، مع وضع المرض النفسى فى الاعتبار.
بل إننا ونحن نتحدث عن الاختلالات النفسية، يفترض النظر إلى العنف والتبرير للجرائم، ومهاجمة الضحية بسبب ملابسها، أو الاندماج من قبل بعض المتطرفين فى إدانة الضحية وتجاهل الأسباب الخاصة بالمتهمين، ونقصد بالعنف على مواقع التواصل، والذى يتورط فيه بعض من يزعمون الفهم فى العقيدة أو الأخلاق، بينما هم يقدمون تحريضا واضحا ويبررون جرائم القتل أو التحرش بالملابس، ومنهم من يختصر المرأة فى ملابسها، متجاهلين تنوع المجتمع المصرى بأغلبيته التى لا تتورط فى جرائم يقوم بها مجرمون لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من عدد السكان.
ويفترض أن يكون هناك توازن فى النظر لهذه النوعية من الجرائم، خاصة أن هذا النوع من الجريمة ليس جديدا، ويمكن مراجعة أرشيف الصحافة والإعلام على مدى ثلاثة عقود، هناك دراسات وأبحاث، فى هذه الفترات من قبل مراكز اجتماعية، وجامعية، ترصد المجتمع وتحلل تركيبته ونوعيات الجرائم وأسبابها، وتصدر توصيات، مع تفعيل أدوات البحث والتحليل الاجتماعى والنفسى، حيث إن مصر مجتمع كبير متسع، النشر فيه متاح بشكل واسع، بينما مجتمعات أخرى تعتم على الجريمة، والنتيجة أن من يتابعون بالخارج يرسمون صورة غير حقيقية للمجتمع المصرى، بينما الطبيعى أن تكون الصورة متوازنة، من دون تهويل أو تهوين. هناك جرائم تمثل 1 أو أقل فى المليون، بينما الـ105 ملايين ليسوا داخل هذه الدائرة، ويجدون أنفسهم فى صورة غير حقيقية، بل إن بعض من هؤلاء، ينخرطون فى تحليلات وتفسيرات مبالغ فيها بحثا عن إعجاب أو «شير»، وبعضهم يصدر صورة غير حقيقية عن انهيار اجتماعى أو ربط بانشغالات اقتصادية واجتماعية غير حقيقية.
لدينا المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وأقسام علم النفس والاجتماع والطب النفسى فى الجامعات تضم أعدادا من الباحثين الكبار، وأساتذة وخبراء يمكنهم رصد وتحيل شكل الجريمة وتطورها وأسبابها وتفسيراتها، وخلال التسعينيات من القرن العشرين، كانت وزارة الداخلية تصدر سنويا تقرير «الأمن العام»، الذى يسجل إحصائيات وأرقاما تتعلق بعدد الجرائم وأنواعها وتحليلها، كان يوزع على مستوى واسع، ويتاح للصحافة والباحثين والجامعات، توقف مع نهاية التسعينيات، وأصبح مقصورا على دوائر ضيقة، بالرغم من أنه يمثل قاعدة مفيدة ومهمة للباحثين والمحللين والخبراء، ويقدم معلومات حول معدلات الجريمة مقارنة بمراحل وفترات أخرى.
ونقول الخبراء لأن لديهم أدوات قادرة على التفسير، بعيدا عن عمليات النشر والتحليل تتم على صفحات التواصل، التى تتحول إلى مجال للاستعراض أكثر منها للمعرفة، ويعين البعض أنفسهم قضاة ومحللين، ويصدرون أحكاما على المجتمع لا علاقة لها بالواقع، بعض خبراء الاجتماع يرون أن الجريمة فى مصر مثل بقية المجتمعات، وأن التطورات الاقتصادية والاجتماعية تقود إلى نوعيات من الجريمة تتطور حسب السكان وأعدادهم، ويعرف العاملون فى الصحافة والإعلام أن مصر من الدول التى تغطى فيها الصحافة أخبار الجريمة بتوسع، على عكس مجتمعات عربية تفرض نوعا من التعتيم على نشر الجرائم، الأمر الذى يظهر هذه المجتمعات بنسب جريمة أقل بما يخالف الواقع، فى المقابل، من يتابع حجم ونوعيات الجرائم فى الولايات المتحدة الأمريكية يكتشف تضاعف حوادث القتل الجماعى، وإطلاق النار على مدارس وجامعات بشكل جماعى، أو اقتحام محلات أو السرقة بالإكراه، بشكل يفوق دولا أخرى، وهى نسب يراها خبراء الجريمة نتاجا لكون الولايات المتحدة مجتمعا مفتوحا للمهاجرين، بجانب التفاوت الاجتماعى والاقتصادى، لسنا فى موقع تبرير، لكن هذه المعدلات يفترض وضعها فى الاعتبار، ونحن نعالج الجريمة فى مصر.
p
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة