لم يعد من قبيل الاكتشاف أن نرصد ونحن نتحدث عن عيد الأضحى، وباقى الأعياد، حجم وشكل التحول فى علاقاتنا واحتفالاتنا، منذ بدأ عالم افتراضى، فرضته التكنولوجيا وأدوات الاتصال، خاصة عصر الموبايل الأكثر ذكاء، والذى أصبح جزءا من كفوفنا ومن حياتنا، بشكل يصعب على الجميع أن يتخيلوا شكل العالم من دونه، وعلى مدى 4 عقود ودع المواطن فى عالمنا، الأشكال والتقاليد السابقة للمعايدة، والزيارات الشخصية المباشرة، بل وربما حتى زمن التليفون العادى، والذى كان يفرض نوعا من التواصل المباشر.
العالم الافتراضى أصبح جزءا من حياتنا، وربما يشكل أغلبية، وليس مجرد وجود فعلى، بل هو المسيطر على كل شىء، وحتى أدوات التواصل صارت مع التطور أدوات للعزلة، تسقط الحاجز بين الواقعى والافتراضى.. التهانى الجاهزة والصور المعلبة والتهانى المحفوظة، حلت مكان الزيارات واللقاءات، بل وحتى مكان تهانى عصر الرسائل القصيرة، التى كانت تتطلب جهدا إضافيا لصياغتها، قبل أن تظهر المنتجات الجاهزة، التى لا يتجاوز مجهود الشخص فيها أكثر من «دوسة» على زر الإرسال.
وبشكل عام لم يعد الموضوع مفاجأة ولا اكتشافا، بل وحتى أدوات التواصل فى حد ذاتها أصبحت معرضا لإعلان مشاعر الفرح والاحتفال والتجمعات، والصورة هى الناتج النهائى، والهدف، من دونها لا يشعر كثيرون أنهم احتفلوا أو «عيدوا»، وبالتالى فإن أدوات العالم الافتراضى جزء من حياة البشر بميزاتها وعيوبها، بل حتى الحنين إلى الماضى يجرى بشكل افتراضى، فهذه المنصات هى التى تحفظ الذاكرة.
وأصبح العيد لا يكتمل مع المواطن الافتراضى، دون أن ينشر صورا وفيديوهات له وهو يصلى العيد ويضحى، أو يحج ويعتمر، مثلما يحرص نفس الشخص على تسجيل لحظات فرحه واحتفالاته وجولاته وخروجاته والتعبير عن سعادته بـ«الشير» واللايف، انتظارا لتفاعلات الافتراضيين ممن يشاطرونه عالمه الخاص، ولا يشعر بالسعادة مع نفسه وزملائه أو أهله، إلا بعد أن ينشر ويقول إنه سعيد ومبسوط، ويقدم وثيقة من طعامه وشرابه، لدرجة تجعل الأجيال الأكبر عمرا كأنهم كائنات تمارس الحنين للماضى، عندما كانت الحياة فيه تجرى بشكل طبيعى حيث الزيارات والصلوات، بلا صور ولا فيديوهات، اليوم صلاة العيد تنقل لايف على صفحات فيس بوك، والحجاج يحرص أغلبهم على نشر صور له خاشعا أو مصليا، ومن أجل التأكيد ينشر صورته بأسماء من يدعو لهم أمام الكعبة، ولم يعد الأمر مدهشا، أن تتحول الشعائر الدينية إلى صور وفيديو لايف، ونتفرج على بعض أصدقائنا وهم يتفننون فى التقاط ونشر «سيلفى» صلاة العيد أو الحج بتفاصيله منذ السفر، والتلبية، والإحرام، والطواف والسعى، سيلفى الكعبة ومقام إبراهيم ووقفة عرفة، ويخبر أصحاب الدعوات أنه دعا لهم ويعلن أسماءهم، بل وهناك من يحرص على تسجيل عملية رجم إبليس بشكل لايف، حتى يؤكد دأبه وإخلاصه فى مواجهة إبليس.
بل إن جدلا ظهر واختفى حول فتاوى «تحليل السيلفى فى الحج أو تحريمه، والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص»، والمفارقة أن هذه الفتاوى وجدت مكانها على مواقع التواصل، ويظهر عدد من المتطرفين يبالغون فى فتاوى التطرف ليركبوا التريند وليس من أجل صالح الفكرة، وهى عرض جانبى يتجاوز العيد إلى كل شىء، ضمن زحام يتجاوز العقل.
وجرت العادة منذ سنوات أن يكون عيد الأضحى مناسبة لإصدار توصيات ونصائح طبية، تتركز فى التحذير من الإفراط فى تناول اللحوم، وكيفية طبخ وتناول اللحم، ونصائح غالبا لا أحد يلتزم بها، وربما تكون المفارقة أن فترة كورونا، كانت أدوات التواصل والموبايلات هى أدوات اطمئنان وتواصل بين ملايين عزلتهم الجائحة، لكن سرعان ما تم نسيان هذا كله، والإجراءات الاحترازية، أصبحت هى الأخرى جزءا يسكن حياة البشر، وكل عام وأنتم بخير.