نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية فى عددها الصادر اليوم الاثنين، تقريرًا حول تداعيات احتمالية توقف روسيا بشكل نهائى عن توريد الغاز إلى ألمانيا ومدى تأثير ذلك الأمر على الصناعة الألمانية والشركات التي باتت في حيرة من أمرها بشأن التصرف إذا تضاءلت الإمدادات أو أوقفت موسكو جميع تدفقات الغاز إلى برلين.
واستهلت الصحيفة تقريرها في هذا الشأن، الذي نشرته عبر موقعها الرسمي، بتصريح لبيتر سنجر، الرئيس التنفيذي لشركة SKW Stickstoffwerke Piesteritz، وهي أكبر منتج للأمونيا في ألمانيا ومورد أوروبي رئيسي للأسمدة وسوائل العادم لمحركات الديزل؛ حيث قال:" وقتها، سيتعين علينا إيقاف الإنتاج على الفور، من 100 إلى الصفر".
هنا، أبرزت الصحيفة أن روسيا خفضت بالفعل، وسط تصاعد التوترات مع الغرب بسبب العمليات العسكرية في أوكرانيا، وبشكل كبير صادراتها من الغاز إلى أكبر اقتصاد في أوروبا، بنحو أزدادت معه المخاوف في برلين من أن احتدام أزمة الغاز في الشتاء القادم يمكن أن تشل الصناعة وتترك الملايين يتجمدون في منازلهم!.
وقالت إن الأنظار تتجه حاليًا نحو "نورد ستريم 1" /NS1 /، وهو خط الأنابيب الذي يربط روسيا مباشرة بأوروبا عبر بحر البلطيق، حيث خفضت شركة جازبروم، عملاق الغاز الروسي الذي تسيطر عليه الدولة، الطاقة القادمة من نورد ستريم 1 بنسبة 60 في المائة في يونيو الماضي، وأغلقتها بالكامل يوم الاثنين الماضي لـ"الصيانة الروتينية"، وفي الظروف العادية، كان الأمر يستغرق مدة 10 أيام فقط، لكن الخوف في برلين الآن هو أن NS1 ربما لن يعود إلى العمل كما هو مقرر يوم الخميس القادم.
وأضافت أن التوقف المطول بعد هذا الأسبوع سيؤدي إلى إعاقة خطط ألمانيا لتخزين الغاز قبل موسم التدفئة. فيما أكد يورج روثرميل من VCI، الهيئة التجارية لصناعة الكيماويات الألمانية التي تعد ثالث أكبر صناعة في البلاد بعد السيارات والآلات، أن النقص الناتج يعني أن "الشركات ستضطر إما إلى تقليل استهلاك الغاز أو الحد من الإنتاج".
وتوقع اقتصاديون، حسبما أبرزت الفاينانشيال تايمز، انه في حال توقفت التدفقات تمامًا، فسوف تشهد القوة الاقتصادية في منطقة اليورو انخفاضًا حادًا في الإنتاج. كما سيؤدي اختفاء الغاز في الشتاء القادم، وفقًا للمحللين في بنك UBS السويسري، إلى حدوث "ركود عميق"؛ لاسيما مع احتمالات فقدان ما يقرب من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام المقبل. وحذر البنك المركزي الألماني من أن التأثيرات غير المباشرة على سلاسل التوريد العالمية للأزمة الأوكرانية الراهنة من شأنها "زيادة تأثير الصدمة الاقتصادية إلى الضعف ونصف الضعف".
وتابعت الصحيفة أيضًا انه نظرًا لأن الشركات الصناعية في جميع أنحاء ألمانيا تواجه الاحتمال الحقيقي للحياة بدون الغاز الطبيعي، فإن البعض يستكشف طرقًا لاستبدالها بمصادر طاقة أخرى. ولكن بالنسبة لأولئك الذين لديهم أجهزة خاصة بالوقود، أو أولئك الذين يستخدمونها كمواد خام، لا يوجد بديل!. ومن بين هؤلاء في المجموعة الأخيرة، أكبر شركة لصناعة الصلب في البلاد، وهي شركة تيسين كروب، التي قالت إنه بدون الغاز الطبيعي للعمليات المطلوبة لتشغيل أفران الصهر، "لا يمكن استبعاد الإغلاق والأضرار الفنية لمنشآت الإنتاج لدينا". بينما حذرت BASF، أكبر شركة كيماويات في العالم، من أن أجهزة التكسير البخارية في موقعها العملاق في مدينة لودفيجشافن الجنوبية الغربية ستضطر إلى التوقف عن العمل إذا انخفضت إمدادات الغاز إلى أقل من حوالي 50 في المائة من متطلباتها العادية.
أما عن الحكومة المركزية، فقد أكدت "فاينانشيال تايمز" أنها تستعد لأزمة بدأت بالفعل تلوح في الأفق وأطلقت، منذ ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أسابيع، المرحلة الثانية من خطة الطوارئ الوطنية للغاز، وهي خطوة تقرب ألمانيا خطوة نحو تقنين الإمدادات. كما أنها تعيد تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وبناء محطات استيراد جديدة للغاز الطبيعي المسال وتخطط لنظام مزاد لتحفيز العملاء الصناعيين على خفض استهلاكهم للغاز.
في غضون ذلك، طُلب من الشركات أن تقوم باستعدادات لاحتمال وقف الإنتاج. وقالت وزارة الاقتصاد، في خطاب أرسلته مؤخرا إلى أحد أعضاء البرلمان المعارض، إن جميع "مشغلي البنية التحتية الحيوية" مثل المستشفيات يجب أن يحصلوا على مولدات طاقة طارئة. مع ذلك، فإن ما يقلق الشركات ليس مجرد شبح الإغلاق التام، ولكن أيضا ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل قياسي في أوروبا لثمانية أضعاف خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، حيث ارتفعت من حوالي 20 يورو للميجاواط في الساعة إلى ما يزيد عن 160 يورو للميجاواط في الساعة. وتضاعف السعر في الشهر الماضي وحده، مما دفع العديد من الشركات إلى التحذير من عدم قدرتها على الاستمرار في العمل عند هذا الحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة