بيشوى رمزى

"زخم" التجربة المصرية في عهد "الجمهورية الجديدة".. أبعاد دبلوماسية

الثلاثاء، 26 يوليو 2022 05:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في الوقت الذى نجحت فيه الدولة المصرية في تعميق علاقاتها مع محيطها الإقليمي، سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا، لتستعيد مكانتها، بعد سنوات التراجع، إثر الفوضى التي لاحقت البلاد إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، إلا أنها نجاحها المنقطع النظير في تجاوز النطاق الإقليمي، يبدو أكثر الأبعاد الملفتة، في التجربة التي خاضتها "الجمهورية الجديدة"، على المستوى الدولي، وهو ما يبدو في قوة العلاقة التي تجمع بين القاهرة، والعديد من القوى الأوروبية، سواء المتقاطعة معها في إقليم البحر المتوسط، أو البعيدة عن تلك المنطقة، وهو ما يبدو بوضوح في التقارب الكبير مع تحالف فيشجراد، بينما باتت تستعيد الزخم للعلاقة مع دول أخرى على غرار صربيا، ومن قبلها بسنوات قبرص واليونان، ناهيك عن تطوير العلاقة بصورة كبيرة مع العديد من القوى الرئيسية في القارة العجوز، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا.

ولعل حالة الاستقطاب الدولي الكبير على مصر، والتي ظهرت ملامحها، سواء في الترحيب الكبير بالرئيس عبد الفتاح السيسي، في عواصم أوروبا، خلال جولته الأخيرة أو في الزيارات الدولية المتواترة التي تشهدها القاهرة، تمثل انعكاسا صريحا لقوة العلاقة بين مصر ودول القارة العجوز، والانفتاح على كافة أطرافها، سواء في الشرق أو الغرب، فيما يمثل ترجمة حقيقية لموقف "متزن" تجاه الأزمة الأوكرانية، وحالة الصراع الدولي الراهن، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى تقديم حلول للأزمات المترتبة عليها، بالإضافة إلى الأزمات الأخرى المتزامنة معها، على غرار التغيرات المناخية، مما ساهم بصورة كبيرة في زيادة حالة الزخم التي بات يحظى به الدور المصري ليس فقط على المستوى الإقليمي، وإنما أيضا على المستوى الدولي الأوسع نطاقا.

إلا أن الدور الذي تلعبه مصر في المرحلة الراهنة، على كافة المستويات الدولية أو الإقليمية، ربما لا يرجع فقط إلى مواقفها من الصراعات القائمة، وإنما أيضا بسبب زخم التجربة المصرية وشموليتها، على كافة الأصعدة، وبالتالي إمكانية تعميمها، وإن اختلفت الأدوات، وهو ما يبدو، على سبيل المثال في المكانة الكبيرة التي باتت تحظى بها القاهرة، على المستوى الإفريقي، والتي اعتمدت دبلوماسية "تعميم" التجربة التنموية، على اعتبار أن الحاجة لدى دول القارة تتمثل في البعد التنموي، بينما اعتمدت الدبلوماسية المصرية نهجا يعتمد على تعميم تجربتها في مكافحة الإرهاب، انطلاقا من تجربتها بعد سنوات الفوضى، حتى تستعيد مكانتها في محطيها العربي.

بينما تبقى التجربة المصرية تحمل أهمية كبيرة فيما يتعلق بالأزمات التي تواجهها أوروبا، سواء بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية، أو غيرها، وهو ما يبدو في العديد من الشواهد الدولية، التي قدمت أدلة قاطعة على حيوية الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر، في مواجهة الضغوط المفروضة على العالم، وفي القلب منه القارة العجوز، وهو ما بدا أولا في استراتيجية مكافحة الإرهاب، والتي استلهمتها فرنسا، عبر الاعتماد على الأمن والمواجهة الفكرية، في آن واحد، مع العمل على إدماج كافة أطراف المجتمع، لحمايتهم من الانغماس في مستنقع التطرف.

في حين كان اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص، للاستفادة من مواردهما الاقتصادية، مدخلا مهما لتعميق الثقة بين القاهرة وأوروبا، حيث ساهمت هذه الاتفاقية في التخفيف من أزمات اقتصادية تمر بها الدولتان، منذ الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم منذ 2007، وساهمت الاتفاقية أيضا في استكشاف موارد الغاز لدى الدول الثلاثة، وبالتالي تحسين الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي التخفيف من الأعباء الموضوعة على كاهل الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن تقديم صورة جديدة للدولة المصرية، في إطار "الجمهورية الجديدة"، باعتبارها "شريك" فعال وموثوق به، بعيدا عن الصورة النمطية التي سادت لعقود، التي اعتمدت نهجا يحمل قدرا من "التبعية" والاعتماد على "الدعم" القادم من الخارج.

التجربة المصرية، لا تقتصر بالنسبة لأوروبا، على أزمات الإرهاب، أو الاقتصاد، وإنما امتدت نحو التعاون في العديد من القضايا الطارئة، التي يعاني منها العالم في المرحلة الراهنة، وأبرزها قضية اللاجئين، والتي تمثل أحد المعضلات الحقيقية، في ظل معطيات، أبرزها زيادة تدفق القادمين من الخارج بغرض اللجوء، خاصة مع تصاعد الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية القاتمة، وهو ما يتجلى في اتفاقات متواترة بين القاهرة وبرلين، حول عملية إدماج المهاجرين وتوظيفهم، لضمان استيعابهم في المجتمع، وذلك بعدما فشلت التجربة الألمانية منذ 2015، بعدما فتحت أبوابها أمام القادمين من الشرق الأوسط، وهو ما يعكس نجاح الرؤية المصرية فيما يتعلق بهذا الملف إلى حد الإلهام، خاصة مع قدرتها على استيعاب المهاجرين بل والتعامل معهم كجزء من المجتمع المصري.

الدور المصري يمتد إلى أزمات أخرى، وعلى رأسها أزمة الطاقة، حيث تسعى مصر إلى تقديم بديل من شأنه تعويض جزء من الخسائر التي تتكبدها القارة العجوز جراء انخفاض واردات الغاز القادمة من موسكو، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وهو ما بدا في الاتفاقات التي وقعتها الدولة مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعمق إدراك الغرب بأهمية وزخم التجربة المصرية.

وهنا يمكننا القول بأن الدور الكبير الذي باتت تلعبه الدولة المصرية على الساحة الدولية، يمثل انعكاسا لزخم التجربة المصرية في مختلف المجالات، بدءً من الدبلوماسية، مرورا بالجوانب الأمنية والتنموية، وحتى الأزمات الطارئة، المتمثلة في زيادة تدفق اللاجئين، وأزمات الطاقة والغذاء، ناهيك عن أزمة التغيرات المناخية، التي تمثل محورا أخر لا يقل أهمية عن المحاور الأخرى في هذا الإطار.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة