احتشد أكثر من 500 من الوزراء والفنانين والمثقفين فى مسرح سيد درويش بالإسكندرية، يتقدمهم الرئيس محمد أنور السادات، لحضور مراسم منحه شهادات الدكتوراه الفخرية لأربعة من كبار المبدعين المصريين وهم: «توفيق الحكيم، والموسيقار محمد عبدالوهاب، والفنان يوسف وهبى، والفنان زكى طليمات».
كان الحفل يوم، 8 يوليو، مثل هذا اليوم، 1975، وكانت شهادات الدكتوراه ممنوحة من أكاديمية الفنون، وفقا لجريدة «الأهرام» فى تغطيتها للحدث يوم 9 يوليو 1975، وتحدث الدكتور رشاد رشدى، مدير الأكاديمية، ثم يوسف السباعى، وزير الثقافة، وألقى يوسف وهبى كلمة عن المكرمين، ثم تحدث الرئيس السادات.
كشفت كلمة السادات عن تأثير الفن والأدب بصفة عامة على حياته، ودور الفنانين الأربعة بصفة خاصة معه، قال: «أول ماتفتحت عينى فى القرية وعلى الفرن وأنا أمد لأنام، كانوا يسمعونى موالا شعبيا هو موال دنشواى، دنشواى كانت من القرى المجاورة لقريتى، يحكى الموال عن زهران، وبطولة زهران فى مواجهة الإمبراطورية البريطانية، وعن حادث دنشواى فى صورة خلدها الفن الشعبى لكى يبعث فى الأجيال المقبلة دائما تاريخ مصر وتاريخ دنشواى بموال فن شعبى، ومن يومها عرفت مرارة الاستعمار وأنا طفل من موال فن شعبى، من يومها تفتحت عيناى على تاريخ بلدى، وعلى ما فعله الاستعمار فى مصر، وكان الموال على طريقة الفن الشعبى يصور زهران البطل الذى دخل المعركة مع جنود الاحتلال ثم حين صعد إلى المشنقة، صعد مرفوع الرأس لكى يقول: إن مصر دائما ستظل مرفوعة الرأس».
انتقل السادات بعد ذلك فى كلمته إلى دور المكرمين الأربعة، قائلا: «لى تجربتى مع هؤلاء الرواد الأوائل الذين اشتركوا جميعا فى صنع وجداننا، وتشكيل أحلامنا وآمالنا، أولئك الذين بعثوا فينا الإحساس بالجمال عن طريق الكلمة، قال عن توفيق الحكيم: كنت أبحث عن الثقافة، وكان توفيق الحكيم بعد أن كتب «عودة الروح»، وقال فيها ما قال، كتب «عصفور من الشرق»، وفى الفترة الأولى من حياتى العسكرية كنت أزود نفسى بالثقافة، وتلقفت المطابع الفرنسية «عصفور من الشرق» وقامت بترجمته إلى اللغة الفرنسية، فى نفس الوقت الذى صدر فيه أمر إبعادى عن العمل فى المدن، أى النفى إلى الصحراء، واصطحبت معى كتاب «عصفور من الشرق» وترجمته الفرنسية، فماذا وجدت؟.. فى سرد جميل وسليم يحكى توفيق الحكيم عن قصة شاب خرج من مجتمعنا المصرى إلى باريس، فى ذلك المجتمع المفتوح سرد آخاذ، ولكنه منذ الصفحة الثانية أو الثالثة يبدأ فى غرس ما يريد أن يغرسه من معان، أو فى وضع ما أراد أن يضعه لنا نحن الأجيال المقبلة من علامات على الطريق».
وعن محمد عبدالوهاب، قال السادات: «الفنان يحلم بالغد، ولهذا الأمر قصة مع عبدالوهاب، لحن نشيد مصر نادانى وكان هذا منذ أكثر من ثلاثين سنة، وفى وقت أن كانت الملكية موجودة، وكنا نحن نعد للعمل من أجل إنقاذ بلادنا، وفى لحظة من اللحظات وأنا أستمع إلى هذا النشيد قلت فى نفسى يوم أن ينجح عملنا، هذا الكلام وأنا شاب لم أتجاوز الخامسة والعشرين من عمرى، ولم تكن هناك أية علامة على أن هناك تغييرا سيحدث فى هذا البلد، وإنما فى أحلام الفنان قلت فى نفسى لعل هذا هو النشيد أو المارش العسكرى الذى يجب أن نتخذه بعد أن نقوم بعملنا، وفى 6 أكتوبر 1974 أحمد الله أن تحقق لى أملى، وعزف نشيد عبدالوهاب ضمن الأناشيد فى أكبر معركة خضناها».
ثم تحدث السادات عن يوسف وهبى، قائلا: «يوسف وهبى، وفى أوج الاستبداد والنظام الاقطاعى المستبد، وهو ربيب أحد البيوتات الكبيرة فى بلادنا، واعتبروه مارقا حينما احترف التمثيل وتبرأوا منه، ولا أزال أذكر فى جيلنا صرخته المدوية من خلال أعماله المسرحية التى سعد بها شعبنا، واختار طريقه على ضوئها، صرخته فى أولاد الفقراء، أربع كلمات تغنى عن كثير من الشرح، وكثير من التعابير التى يستخدمها اليوم أصحاب المذاهب التقدمية وغيرها، أربع كلمات قالها يوسف وهبى، وكلنا أعصاب مشدودة لذلك الحدث الضخم الذى يعبر عن طبقات شعبنا المطحونة، أربع كلمات هى «أبوكى البيه، وجدك الباشا»، تلخيص لرواية أولاد الفقراء، أربع كلمات فقط تعنى الدفاع عن الطبقات المطحونة، تعنى أن كل ما يتخذ من مظاهر زائفة، بكوية، باشوية، وامتيازات طبقية، لا بد أن يزول وينطمس».
وعن زكى طليمات، قال السادات: «جاء زكى طليمات لكى يؤصل، ويجعل من الفن علما له قواعد ومدرسة تخرج لنا الأجيال حتى نستطيع أن نمضى فى ركبنا معتمدين أو آخذين بما يأخذ به العصر اليوم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة