فى غمار الأزمة التى يعيشها العالم، نتيجة تردى الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدلات النمو، وتصاعد حدة التضخم، وما يستتبع ذلك من مؤشرات أكثر خطورة، تتعلق بتصاعد معدلات البطالة مستقبلاً والركود فى الأسواق، تبقى القضية الأكثر خطورة وأهمية فى المجتمع المصرى هى محاولات البعض نشر الإحباط وإشاعة اليأس فى نفوس الناس، وفى اعتقادى هذا أخطر على مستقبل البلد من كل ما سبق، فالإحباط ينتشر بسرعة الضوء بين الناس، فى ظل ثقافة سمعية متجذرة، ومواطن هو الأكثر حديثاً فى الشأن العام على الإطلاق، بفهم أو بغير فهم.
الغريب وغير المفهوم أن أكثر من يشيعون الإحباط هم أبناء الطبقات القادرة، وأصحاب الأعمال والملاءات المالية، ومن يمتلكون ما يتكئون عليه من مدخرات وثروات، فلا تسمع منهم إلا حديث "الكنود" الذى أخبر الله عنه فى القرآن الكريم حينما قال "إن الإنسان لربه لكنود"، أى الذى يذكر المصائب ويتغنى بها، ويتجاهل النعم، يعدد المساوئ ولا يتذكر الحسنات، ينشر الإحباط ولا يتحدث عن الأمل، دائم الشكوى، قليل الشكر، لذلك أتصور أن أكثر ما يؤرق هذا البلد هم المحبطون.
نعم المواطنون يشكون الغلاء، وأنا واحد منهم، لكن لا يجب أن تتحول الشكوى إلى حالة ووسيلة لتصدير الإحباط والسخط بين الناس، فالعالم كله يعيش ظروف صعبة وأوقات عصيبة، ونحن جزء من هذا العالم الواسع، نعيش مشكلاته بكل تفاصيلها وأبعادها، فالأزمة الاقتصادية ليست مصرية، بل عالمية، وأهم ما نحتاجه الآن أن نزرع الأمل ونجدد الثقة فى قدرتنا على العبور للأمام وتجاوز هذه الفترة الصعبة، خاصة أن مصر بالأرقام والمؤشرات هى الأكثر تحوطاً والأقل خطراً، حتى من الدول العظمى، التى تنتظر شتاءً ثلجياً إذا ما استمرت الأوضاع الجيوسياسية المضطربة فى العالم بنفس الوتيرة.
احتياطى مصر من القمح تجاوز 7 أشهر، وكذلك معظم السلع الغذائية والحبوب، بما يؤكد أن استعداد الدولة وتحوطها للأزمة جاء بصورة فاقت كل التوقعات، فالأسواق لم تشهد نقصاً فى سلعة واحدة، والزيت، والسكر، والدقيق، مكدس فى أسواق الجملة والسوبر ماركت، فى حين أنه اختفى تماماً من الأسواق الأوروبية، وهذا وضع يستحق الإشادة فى بلد استهلاكية بحجم مصر، عدد سكانها أكثر من 100 و3 ملايين مواطن، لذلك دعونا نتفاءل لمواجهة الأيام المقبلة، دون أن ننشر اليأس والإحباط فى نفوس الناس، بصورة تنعكس سلباً على معدلات الإنتاج ومستويات الرضا.
أتصور أن الخطاب الإعلامى الذى باتت تحكمه وسائل التواصل الاجتماعى بصورة أساسية يجب أن يتحدث عن التفاصيل والحلول دون تصدير المشاكل وتخويف الناس، يجب أن يُقدر الحالة العامة التى يمر بها العالم، ويضع الصورة كاملة أمام المتلقي، دون أن يؤثر سلباً على نفوس ومعنويات الناس، وعلى الناحية الأخرى يجب تبنى خطاباً معتدلاً بعيداً عن فكرة "الدنيا ربيع"، حتى يضع كل شخص أمام مسئولياته وأعبائه، بطريقة تتجاوز حالة اليأس إلى حالة الحوار، وتدفع نحو الحلول لا المشكلات، وتسهم فى التوعية والتنوير لا الإحباط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة