تدخل الحرب فى أوكرانيا شهرها السابع، دون أفق لحل قريب، ويبدو أن الصراع قد يستمر، ويتحول إلى أحد الصراعات المزمنة التى كانت تميز فترة الحرب الباردة، وفى المقابل يدفع العالم ثمنا باهظا لـ«صراع نفوذ»، يسعى كل طرف لحسمه باتجاه مصالحه، وعلى مستوى الصراع، فإن كل معسكر يعلن أنه انتصر على الأرض، ويصر على تطبيق مطالبه ووجهة نظره.
روسيا ترى أنها تحقق أهدافها، وأن هذه الأهداف لا تتعلق باحتلال أوكرانيا، وإنما تحقيق أمنها القومى، بينما المعسكر الآخر فى الغرب يرى أن أوكرانيا تحقق انتصارات عسكرية، وتضاعف من خسائر روسيا بفضل الأسلحة الحديثة والطائرات المسيرة التى حققت انتصارات لأوكرانيا، ودفعت القوات الروسية لمغادرة أماكنها.
لكن شبح الصدام المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا مطروح وبقوة، بالرغم من أنه تم تلافيه حتى الآن، كما أن احتمالات تطور الحرب إلى صدام نووى واردة أيضا، كما قال رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذى اعتبر فى تصريحات - أمس الأول السبت - أن البشرية على وشك الدخول فى «صراع نووى»، حيث قال نصا: «لقد فقد العالم رشده وهو ينفجر فى الصراعات، كيف سينتهى كل شىء؟ الناس العاديون، حتى أولئك البعيدون عن السياسة، يفكرون أكثر فأكثر، منذ نهاية الحرب الباردة، تجد الإنسانية لأول مرة نفسها على وشك الدخول فى نزاع نووى».
الصراع لا يقتصر على الجوانب العسكرية والاقتصادية، لكنه يشمل الدعاية بكل أشكالها، وأيضا الفضاء الإلكترونى حيث يزداد الصراع فى مجال الفضاء الإلكترونى وتكنولوجيا المعلومات، الذى أصبح أحد أهم مجالات الصراع بين أمريكا وروسيا ليس فقط فيما يخص حرب أوكرانيا، لكن أيضا منذ اتهامات الأجهزة الأمريكية لروسيا بالاختراق السيبرانى خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية فى 2016 و2020.
والواقع أن الحرب فى أوكرانيا جددت التساؤلات عن الإعلام ومواقع التواصل، وكيف أصبحت طرفا فى الصراعات والحروب والدعاية القائمة للحرب، بما ينفى حيادية أدوات الإعلام فى الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ظهرت فى صفحات التواصل الاجتماعى وقرارات الوقف والمنع للقنوات والمنصات بين الطرفين، ما جعل الحقيقة أولى ضحايا الحرب.
وحسب وصف الكاتب الأمريكى دافيد إجانتى، الذى كتب فى «واشنطن بوست»: «إن حربا أخرى بين أمريكا وروسيا فى مجال الفضاء الإلكترونى»، بينما حذر أحد كبار الدبلوماسيين الروس من أن استفزاز الولايات المتحدة وحلفائها لروسيا، فى مجال الفضاء المعلوماتى، سوف تكون له عواقب وخيمة.
بينما يقول أندريه كروتسيكيك، خبير الفضاء الإلكترونى فى وزارة الخارجية الروسية: «إن الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت العنان لعدوان سيبرانى ضد روسيا وحلفائها، وإن واشنطن استخدمت الرئيس الأوكرانى فلادومير زيلينسكى وجيشه من خبراء تكنولوجيا المعلومات لشن هجمات إلكترونية ضد روسيا، ولا نريد أن يدفعنا الاستفزاز الأمريكى إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، خاصة أن النتيجة الحتمية لمثل هذا الصراع سوف تكون كارثية، لأنه لن يخرج أى من الطرفين منتصرا فى أى صراع سيبرانى مباشر».
وفى المقابل عاد ملف النفوذ الروسى داخل أروقة الولايات المتحدة الأمريكية للظهور، ونسبت مصادر أمريكية إلى تقرير مجمع لوكالات استخباراتية أمريكية، قوله إن روسيا قدمت ما يزيد على 300 مليون دولار تمويلات لأحزاب وكيانات سياسية فى 20 دولة حول العالم، بهدف خدمة مصالحها الخاصة، وحسب «سى إن إن» كشف مسؤول أمريكى ملامح التقرير، قائلا: «إن الكرملين قدم أكثر من 300 مليون دولار لتلك الأحزاب والكيانات والساسة الأجانب منذ 2014 وحتى الآن».
بينما بول ناكسون، قائد القيادة السيبرانية فى الجيش الأمريكى، كان قد أعلن اتهام الإدارة الأمريكية لروسيا بتنفيذ عمليات فضاء سيبرانى ضد أوكرانيا، بما فيها اختراق لشبكة الاتصالات الفضائية التجارية، والتى أدت إلى إلحاق أضرار بالأنظمة الإلكترونية فى دول أوروبية أخرى.
هذه الاتهامات تعكس حجم الجانب الخفى والعلنى فى الحرب، وتأثيرات الحرب تنعكس على كل مناحى الحياة، ويدفع العالم ثمنا باهظا لهذا الصراع، فى صورة أزمة غذاء وطاقة، فى أوروبا مثلما فى دول العالم كله، التضخم وارتفاعات الأسعار ونقص السلع، مع غياب أى آفاق أو سيناريوهات يمكنها استنتاج شكل الخطوات القادمة، هذه التداعيات تؤثر على سياقات السياسة والاقتصاد، مع توقعات بتصاعد أزمات الطاقة خلال الشتاء المقبل فى أوروبا وبعض مناطق العالم، وهى نتائج حقيقية لصراع بلا بداية أو نهاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة