أحمد إبراهيم الشريف

تشارلز سيميك .. الخالد في ذاكرة الشعر والألم

الثلاثاء، 10 يناير 2023 03:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في 1972 قابلت أحد الرجال الذين قصفونى في 1944، كنت قد قمت بأول رحلة لبلجراد بعد عشرين عاما تقريبا. بمجرد عودتي إلى الولايات المتحدة، ذهبت إلى تجمع أدبي في سان فرانسيسكو حيث قابلت بالصدفة الشاعر ريتشارد هيوجو في مطعم.

تحدثنا، سألني كيف قضيت الصيف، أخبرته أنني عدت للتو من بلجراد.

قال : أي نعم، بإمكاني أن أرى هذه المدينة جيدا.

دون أن يعرف خلفيتى، انطلق يرسم على مفرش المائدة، بقطع الخبز وبقع النبيذ، موقع المبنى الرئيسى لمكتب البريد، الكبارى على نهري الدانوب والسافا، وبعض المعالم الأخرى المهمة. دون أية فكرة عن معنى ذلك، مفترضا طوال الوقت أنه زار مرة المدينة  كسائح،

 سألته كم من الوقت قضى في بلجراد

أجابنى: لم أزرها أبدا، أنا فقط قصفتها عدة مرات

اندفعت قائلا وأنا مذهول من المفاجأة، لقد كنت أنا هناك وقتها وأننى أنا من كان يقوم بقصفه. أصبح منزعجا للغاية. في الحقيقة، اهتز بشدة. بعد أن توقف عن الاعتذار وهدأ قليلا، سارعت أؤكد له أنني لا أحمل ضغينة ضده وسألته ما هو السبب في أنهم لم يقصفوا مقر الجستابو ولا أي مبنى آخر حيث كان يتواجد الألمان.

شرح لي هيوجو أن الغارات الجوية كانت تنطلق من إيطاليا، مستهدفة أولا حقول النفط الرومانية، التي كانت لها أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للنازيين حيث يتم الدفاع عنها بضراوة . في كل غارة جوية كانوا يفقدون طائرة أو اثنتين، ومع ذلك كله، في طريق عودتهم لإيطاليا، كان عليهم أن يتخلصوا من حمولاتهم فوق بلجراد. حسن كانوا في غاية الحذر.

يطيرون على ارتفاع عال ويلقون ما تبقى من الحمولات بأي طريقة ممكنة، في سباق ليعودوا إلى إيطاليا، حيث يقضون بقية اليوم على الشاطئ مع بعض الفتيات المحليات.

 

ما قرأناه سابقا جزء من سيرة الشاعر الكبير تشارلز سيميك 1938- 2023  والذى توفى اليوم وشاعر أمريكى من أصل صربي، ولد في بلجراد عاصمة يوغسلافيا السابقة، عاش سنوات الحرب قبل أن يهاجر إلى أمريكا، وهو فعلا شاعر كبير سيظل خالد بشعره وحكاياته عن الألم.

وبمناسبة الألم  يقول في سيرته الذاتية التي لن تمل من قراءتها والتي صدرت بعنوان "ذبابة في الحساء" ترجمتها الشاعرة إيمان مرسال، وصدرت عن دار نشر الكتب خان:

 "مشردون" هو الاسم الذى أطلقوه علينا فى 1945، وهذا كان وضعنا بالفعل. تخيل أنك تجلس وتشاهد قنابل تسقط فى بعض الأفلام الوثائقية بالقديمة، أو جيوشا يحارب بعضها البعض، قرى ومدنا تتصاعد منها النيران والدخان، لا يخطر ببالك الناس المتكدسون فى الأقبية. لقد دفع السيد البرىء والسيدة البريئة وأسرتاهما ثمنا باهظا فى هذا القرن لمجرد وجودهم هناك.

 "مدانون تاريخيا" - كما كان يحب الماركسيون أن يقولوا – ربما انتموا إلى طبقة خاطئة، جماعة عرقية خاطئة، دين خاطئ، إلى آخره. هم كانوا وما زالوا تذكيرا غير سار بكل أخطاء اليوتوبيات الفلسفية والقومية. لقد جاءوا بخرقهم البالية ومناظرهم التعسة ويأسهم، جاءوا فرادى وجماعات من الشرق.

 

هاربين من الشر بدون أية فكرة عما ينتظرهم. لم يكن لدى أحد فى أوروبا ما يسد رمقه، وهنا جاء اللاجئون المتضورون جوعا، مئات الآلاف منهم فى قطارات، مخيمات، وسجون، يغمسون خبزا يابسا فى حساء مائى، يبحثون عن قمل فى رؤوس أطفالهم، ويندبون، بمختلف اللغات، مصيرهم المروع.

 

رحل تشارلز سيميك لكن يظل ما كتبه صورة معبرة عن إنسان قصفو ذات مرة مدينته بالطائرات فقط من باب التخلص من الحمولة الزائدة.

 

 

 

 







مشاركة



الموضوعات المتعلقة

السنوات

الأحد، 01 يناير 2023 01:55 م

شروط النهضة.. القدرة على الإنتاج

الإثنين، 26 ديسمبر 2022 11:44 ص

الأرجنتين بطل كأس العالم.. إنه العدل

الإثنين، 19 ديسمبر 2022 11:40 ص



الرجوع الى أعلى الصفحة