الأزمات بقدر ما تحمل قدرًا كبيرًا من الضغوط على الاقتصاد، فإنها أيضًا تتيح للدول إعادة التفكير فى قدراتها وتوجهاتها الاقتصادية، فقد جاء فيروس كورونا ليفرض على دول العالم عمليات إغلاق، فضلًا عما تركه من انعكاسات على الأنظمة الطبية، فقد ترك آثارًا واضحة على الاقتصاد العالمى، ولم تكد كورونا تنتهى حتى اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعياتها على الاقتصاد العالمى، لم يتوقف النقاش فى كل دول العالم عن الطريق الأفضل للتعامل مع أزمة تبدو مستمرة، وتتشابك وتتقاطع مع كل دولة فى العالم، خاصة مع اكتشاف حجم التشابك بين الاقتصاد العالمى بشكل أكبر مما كان متوقعًا، من حيث تأثير الطاقة ومعها الحبوب وسلاسل الغذاء والنقل، بل إن أوكرانيا وروسيا تمثلان ليس فقط مصدرا للطاقة والحبوب لكن أيضًا للأسمدة، والبذور، ومنتجات التعبئة بجانب الزيوت.
وسواء كورونا أو الحرب، فقد فرضت تأثيراتها على دول العالم، ولا يمكن إنكار هذه التأثيرات فى ظل ثورة الاتصال والتواصل، إقليميًا ومحليًا جاءت التأثيرات لتفرض نفسها، وبالتالى بات على الدول أن تتعامل معها وتعيد النظر فى قدراتها وتعاملها انطلاقًا من الفعل، وهى قواعد يفترض أن تفرض نفسها على النقاشات من دون إنكار أو تهوين، وبعيدًا عن أجواء المزايدة أو تصدير الصدمة، من دون تقديم حلول، على سبيل المثال فإن كل دولة تفكر فى تحسين أداء الاقتصاد بالشكل الذى يخفض الاستيراد ويعظم الإنتاج المحلى القابل للتصدير، وهو أمر يقدم حلًا مزدوجًا، من جهة توفير منتجات محلية تخفض من الاستيراد وتوفر فرص عمل، أو تجلب عملات صعبة توازن التبادل التجارى، بل إن ضبط سوق العملة وتثبيت الأسعار من شأنه أن يدعم التصدير، بجانب تدعيم الأنشطة سريعة العائد مثل السياحة، وأيضًا تدعيم الأنشطة الزراعية والصناعية من خلال إقامة شركات مساهمة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى يدور فيها رأس المال بشكل اقتصادى.
خلال شهر نوفمبر الماضى، تم تنظيم عدة فعاليات مهمة، تتعلق بالاقتصاد والتنمية، كان المؤتمر الاقتصادى فرصة لطرح الأفكار والمناقشات والتوصل إلى توصيات لدعم الاستثمار والصناعة، ومع انطلاق المحور الاقتصادى فى الحوار الوطنى، يمكن توسيع مناقشة هذه التوصيات ووضعها موضع التنفيذ، وإتاحة المزيد من المناقشات والأفكار حول المستقبل.
وفى كل فعالية أو مؤتمر تتأكد أهمية الاتجاه نحو التصنيع، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوليد الطاقة الشمسية والمتجددة، والاتفاق على أن الزراعة والصناعة أساس التنمية والتحديث، وخلال المؤتمر الاقتصادى، صدرت توصيات لدعم الصناعة وتسهيل الإجراءات وتحفيز الاستثمار، وتفضيل الصناعة الوطنية، والتصدير والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعوة لمشاركة القطاع الخاص، ومنح مزيد من التسهيلات فى استخراج تراخيص المشروعات الصناعية، وخلال المعرض الصناعى وجه بمنح «الرخصة الذهبية» لجميع المستثمرين المتقدمين لمدة ثلاثة شهور، والرخصة تفرض موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته.
وهناك فرصة مع تحرك سعر العملة المحلية لمضاعفة التصدير، لأسواق أفريقيا والأسواق العربية، فى كثير من المجالات مثل النسيج والجلود والأجهزة الكهربية، وهى مجالات ذات عوائد مضمونة، بجانب مبادرات مثل «ابدأ» تساهم فى دعم الصناعة والمشروعات، من خلال إشراك عشرات المصانع والشركات لخلق كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة عالميًا.
ويمكن من خلال هذه المبادرات فتح المجال لشركات مساهمة، يمكنها أن تستقطب السيولة من السوق، وتفتح المجال لمشاركة الأرباح فى أنشطة صناعية وتجارية وتصديرية، تضاعف من إمكانات الشركات، وتوسع دوائر العوائد الاقتصادية للأفراد والشركات، لأن كل الطرق تشير إلى أن مضاعفة الإنتاج وضبط الميزان التجارى هما الطريق للاستمرار باتجاه نمو اقتصادى حقيقى، سواء قبل هذه الأزمات أو بعدها، وكل هذا استنادًا لبنية أساسية فى الطاقة والطرق، مع فرص للتنمية فى الشمال والجنوب.
وهذه الأفكار يطرحها ويتفق عليها خبراء الاقتصاد، بعيدًا عن آراء خبراء الضجيج الذين يفضلون الاستمرار فى الدوران حول الذات.