ينتهى بعد ساعات أسبوع من الأسابيع التى لن تنسى؛ لأنه أخذ فى طيات أيامه أناسا لن يعوضهم الزمان.. ابتدى الفقد بعزيز ارتضانى زوجا لابنته، واستكمل جراحاته بفقد الأخ والصديق دمث الخلق والقلم علام عبد الغفار.
أرثيهما فى تلك الكلمات التى لن تعبر وإن أفصحتها، ولن تشمل وإن فصلتها، كلمات صعب اختيارها من هول وصدمة المفاجأة.. وصعوبة الفقد والغياب والتشابه بين الفقيدين كبير يبدأ بدماثة الخلق والشهامة والجدعنة والكرم وينتهى بألم المرض.
تشابهت حالتا فقيدىّ، فكلاهما دخل المستشفى بشكوى عادية لا ترقى لأن تقلق ولا تعدو كونها دور برد عادى، تحول بكل تبعاته إلى وحش خطف طيفيهما إلى غياهب قبر أسأل الله أن يجعله روضة من جنانه.
والد زوجتى المهندس عصام رشاد محمد خالد الذى بدأت رحلته مع المرض منذ ما يربو إلى 3 أشهر أسأل الله أن تكون قد خلصته من الذنوب -مع شكى فى وجودها أصلا ولا أزكيه على الله- دخل المستشفى بحالة تبدو سهلة إلا أنها تطورت بسرعة مخيفة تحولت إلى كرة ثلج سقطت من جبل وهى حبة صغيرة ولكن فى طريق تدحرجها أخذت فى وجهها كل ذرة ثلج لتكبر وتكبر فتصير صخرة كبيرة قصمت ظهور أحبته، وانتهت به فى الرعاية الحرجة بمستشفى المنيل الجامعى بتسمم فى الدم يحتار فى سببه أطباء أكفاء، مع توقف وظائف الجسم ليلقى ربه وقد ملأ قلوب من عرفوه حبا بمواقف لا ينسوها فرحمة الله عليه.
وأما فقيدى الثانى فكان أخا قبل أن يكون صديقا، فقيدى وفقيد بلاط صاحبة الجلالة علام عبد الغفار الذى كان له من اسمه نصيب، فعلم فى قلوبنا بابتسامته ونسأل الغفار أن يقبله فى جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين.
لو أنك عرفت علام لوجدته مع كل موقف لا يستخدم سوى فعل واحد ألا وهو الابتسام.. مواقف متكررة يوميا بيننا فى إطار العمل من واقع علاقتى فى قسم إعادة الصياغة والتحرير برئيس قسم المحافظات الذى يدير ما يزيد عن 60 محررا، إنه علام عبد الغفار دمث الخلق الذى يعتذر عن أخطاء ارتكبها غيره دون أن يناقش مع ابتسامة لا تدل إلا عن صفاء القلب.
أما لو أنك تعاملت مع علام خارج العمل فلن تشعر أنه ليس أخوك شقيقك ابن والديك، جدع شهم كريم رجل جلد صلب حكيم خدوم لا يبخل بأى شيء لو أن حل مشكلتك بيده أو بيد شخص يعرفه، تجده يتحدث نيابة عنك وكأنها مشكلته هو ويسعى فى حلها وكأنها قضية حياة أو موت.. رحمة الله عليك يا أبا محمد.
علام تعبان.. كلمة عادية خاصة أن دور البرد المنتشر مع تقلب الفصول يصيب الكثيرين، إلا أنه كان أيضا كرة ثلج تحولت مع التطور الكبير فى الحالة إلى كرة نار حرقت قلبى وقلوب كل من عرف علام عبد الغفار، لأنى لا أظن أن هناك من عرف علام ولم يحبه.. وكما حدث مع والد زوجتى تعددت أسماء المستشفيات التى زارها بحثا عن من يفهم الحالة ويقدر على التعامل معها ولكن "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ".. فلا عزاء يبرد القلب ولا كلمات تريح الروح من ألم فراق الأحبة فى أسبوع الألم إلا قول الله تعالى: "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.." وقوله تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ".. فالعزاء أنها سنة الحياة ولا يبقى منا إلا سيرتنا، وقد ترك فقيداى سيرة ظهرت جلية فى جنازتيهما وفيما بعدها ولن ينتهى أثرها سريعا.. وداعا والد زوجتى.. وداعا علام عبد الغفار.. نلقاكم قريبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة