العالم قبل الكاميرا والسوشيال ميديا ليس هو عالم ما بعد الكاميرا، العدسة الدقيقة أصبحت شريكا فى كل التفاصيل والخطوات ولن يتوقف النقاش، بحثا عن طريقة للتعامل مع هذه الأدوات بميزاتها وعيوبها، لها ميزات ووظائف كثيرة ومعها أعراض جانبية، نقول هذا بمناسبة ما يثار كل فترة حول الخطوط الفاصلة بين الخاص والعام، وتوظيف الكاميرات لصالح الأمان أو تحويلها إلى أداة تشهير.
نقول هذا بمناسبة حدث جديد، البطل فيه هو الكاميرا، لكنها بطولة ممزوجة بضرر وخراب بيوت، ونقصد به تصوير ونشر مشهد لشاب وفتاة فى مكان عام ونشره بشكل موسع وتحويله إلى فضيحة.
كالعادة المقطع راج وانتهى باستدعاء طرفى الواقعة، بناء على النشر وتحويلها للنيابة العامة التى أخلت سبيلهما، وأمرت بطلب تحريات الشرطة حول القائم بتصوير ونشر المقطع المتداول بمواقع التواصل الاجتماعى للشاب والفتاة، أعلى أحد الجسور بالقاهرة، وبيان قصده من التصوير والنشر.
النيابة العامة فى بيانها دعت أولياء الأمور إلى حُسن رعاية أبنائهم وتوجيههم بما يليق بالسلوك العام، لكن النيابة دعت إلى منع ترويج مثل هذه المقاطع لما تمثله من ضرر على المجتمع وباعتبار النشر جريمة يعاقب عليها القانون.
بالطبع فإن الحدث هنا متعدد الوجوه، وكالعادة انقسم الجمهور حول الواقعة، وأيضا حول مدى صحة التصوير والنشر، وهل من صوّر المقطع كان يهدف إلى الانتشار أم إلى معالجة الواقعة، بينما النتيجة لهذا النشر هى ليس فقط التشهير بشاب وفتاة فى مقتبل حياتهما، لكن أيضا بأسرتيهما، خاصة أسرة الفتاة، والضرر بالتشهير أكبر عشرات ومئات المرات من أى فائدة اجتماعية أو سلوكية.
ونحن هنا لسنا فى معرض تقييم السلوك، لكن أمام فعل ضرره تجاوز أى فائدة، وقد يكون الشاب والفتاة لم ينتبها إلى انعكاس فعلهما، لكن كان يكفى التنبيه، أى لفت النظر والتوجيه، خاصة ونحن أمام مراهقين قد لا يكون لديهما تقدير لفعل فى مكان عام.
وحتى مع الانقسام فى الآراء فإن هناك إدانة للمنصات والمواقع التى أعادت نشر المقطع، والهدف كان تحقيق مشاهدات وليس التقويم أو حماية القيم، بل البحث عن شهرة، مع الأخذ فى الاعتبار أن سلوكيات المستخدمين جميعا لا تخضع لمواثيق الشرف أو احترام الخصوصية، هناك الأخيار والأشرار، ومستهلكو النميمة، والفضوليون، ومحترفو التشهير، وهم موجودون دائما وفى كل العصور، لكن التقنيات وأدوات التواصل منحتهم المزيد من الأسلحة التى يمكن أن تكون مدمرة.
نحن أمام أدوات يمكن أن تكون وسائل ترفيه وحوار وتسلية وقراءة أو أى شىء، تتحول إلى شيطان عندما يتم توظيفها فى التشهير، فهى قادرة على القتل المادى والمعنوى.
وما زلنا نتذكر فتاة الغربية التى لم تتحمل الابتزاز من قبل مجرمين تلاعبوا بصورها ليضغطوا عليها، وأنهت حياتها خوفا من فضيحة ليست مسؤولة عنها، طبعا هذه الواقعة تتكرر بصورة مختلفة، وفى الحادث الأخير لا أحد يضمن ردود فعل أسرة الفتاة معها أو مع الشاب، التى قد تنتهى بمأساة، وما هى مسؤولية من نشر وأعاد النشر؟
نحن أمام واقع أن الكاميرا ومعها كل وسائل التواصل واقع يفرض نفسه وأدوات لها ميزات وعيوب وليس لها مشاعر، تحكمها مشاعر الناس ورغباتهم ونياتهم، البشر من يوظفونها ويستعملونها، الكاميرا مطلوبة فى الشوارع والمحلات والأماكن والميادين العامة، وفاعلة فى العمل الصحفى والإعلامى ورصد الموضوعات وصناعة القصص والحكايات والتسلية والأخبار، بشرط أن يكون هذا علنا وبرضاء الأطراف وموافقتهم، وإذا انحرف سلوك مستخدم الكاميرا عن هدفه أو اتجهت نيته للابتزاز أو الاصطياد أو التلصص، أو تحقيق مكاسب بأى ثمن، هنا تبدأ مرحلة أخرى، حيث تصبح الصورة والفيديوهات جرائم محتملة وفضائح قابلة للانتشار.
هذا هو ما يفترض أن نتعامل معه، ربما لا نكون بحاجة إلى مزيد من القوانين، فما هو متاح يكفى، لكن مجتمع السوشيال ميديا نفسه مطالب بأن يضع قواعد تحمى الناس من غرائز بعض الجمهور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة