«القيادة الحقيقية تتجسد فى تحويل المحن إلى مكاسب» عبارة كتبها صن تزو، المؤرخ والقائد العسكرى الصينى الشهير، فى كتابه المعروف «فن الحرب»، وبهذه العبارة يشير إلى المعنى الحقيقى للقيادة، وشخصية القائد ومدى قدرته على تجاوز الصعاب والظروف والتحديات فى طريقه، وكيف يمكنه استغلالها وتحويلها إلى قواعد صلبة للانطلاق نحو نجاحات مبهرة، وخبرات متراكمة، تجلب معها استقرارا حقيقيا وتنمية شاملة.
من يقرأ المشهد المصرى ويتابعه على مدار 10 سنوات مضت، يكتشف أن العبور بالمحروسة من مرحلة الفوضى إلى الاستقرار، واستعادة الأمن وهيبة الدولة، كان أكبر وأهم معاركنا انتصارا، وذلك واضح دون ضجيج أو مزايدة، فقد كان الهدف جليا أمام كل من يعرف مبادئ التحليل البسيطة أن تسقط الدولة من الداخل وتتهاوى أركانها، ويأكل أبناؤها بعضهم بعضا، وتتحول إلى ساحة مفتوحة للصراع والاقتتال الأهلى، لكن هيهات هيهات، فقد تنبه الرئيس السيسى لهذه المؤامرة مبكرا، وكان يعرف جيدا حجم المؤامرة والهدف منها، ونجح فى وقت قياسى أن يجابه الإرهاب ويدعم مؤسسات الدولة فى القضاء عليه.
منذ أن بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى إدارة الدولة، وتحمل المسؤولية، التى وضعها المصريون أمانة فى عنقه تفويضا ثم انتخابا حرا، فقد بدأ مسارا واضحا للتنمية جنبا إلى جنب مع الحرب ضد الإرهاب، واستعادة الأمن، فى تحد غير مسبوق، كانت خلاله كل الملفات مفتوحة فى وقت واحد، لكنه كان يبرهن دائما أنه قائد حقيقى، يستطيع أن يخرج بصلابة المقاتلين من المحن والشدائد، ويحولها إلى مكاسب، ويستنهض همم المصريين، ويحفزهم نحو البناء والتعمير والتنمية فى مختلف المجالات بمئات المشروعات القومية، التى بدأ يعم خيرها ربوع البلاد، لتأمين احتياجات الدولة والحفاظ على مسارها مستقلا دون تدخلات أو قيود.
فى الوقت الذى لا تزال العديد من الدول المجاورة تعانى ويلات الفوضى والحروب والنزاعات المحلية والانقسامات الداخلية، استطاعت الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسى، العبور بالوطن إلى بر الأمان، والتحرك المدروس من الاستقرار نحو التنمية، والملهم فى هذه التجربة أن عملية استعادة الأمن تزامنت مع التطوير والبناء، وتحركت فى خط متوازٍ لتضيف تفردا خاصا للتجربة المصرية الرائدة، التى يمكن تأملها كإحدى أهم تجارب التنمية فى الدول النامية والاقتصاديات الناشئة فى القرن الحالى، وسوف يتوقف أمامها الجميع عندما تكتمل أبعادها وتؤتى ثمارها.
لقد نجحت جهود الدولة المصرية على مدار ما يقرب من 10 سنوات فى تحقيق التنمية الاقتصادية، وتطوير العشوائيات، وتوفير حياة كريمة للمواطن المصرى، من خلال مشروع تنموى ضخم لا مثيل له فى أى دولة بالعالم لتنمية الريف، ورفع جودة الحياة فيه، وتطوير قدرات سكانه، وتأهيل مرافقه، وبنيته التحتية، بصورة تكفل حياة أفضل لنحو 60% من أبناء الشعب المصرى، يسكنون الريف، فقد باتت حياة هذا القطاع الكبير من السكان تسير بصورة أفضل فى ظل وجود مئات القرى النموذجية والمناطق الحضرية المتطورة، فى تطبيق عصرى متطور وواضح لمفهوم اللامركزية.
«إن فن الحرب الأسمى هو إخضاع العدو دون قتال» هكذا صاغ «صن تزو» مؤلف كتاب فن الحرب، الهدف الأساسى من القيادة، وكيفية التحرك فى القضايا المختلفة بصورة مرنة تجعل القائد قادر على إدارة الأمور لصالح وطنه وشعبه، وهذا ما فعلته مصر بقيادة الرئيس السيسي، على مدار السنوات الماضية، فقد تجنبت دخول الحروب والصراعات المباشرة، وحرصت على أن تحسم معاركها بطريقتها الخاصة، عن طريق الحفاظ على هيبة الدولة، والتلويح بالقوة أمام العدو، كلما تطلب الأمر ذلك، واحتفظت بقدراتها وقوتها دائما دون الدخول فى صراع أو التورط فى مستنقع الأزمات الذى يعيشها العالم منذ عدة سنوات، فالمعنى الحقيقى للقيادة ليس القدرة على حسم المعارك العسكرية، بل كسبها دون قتال أو صراع، حتى يمر ملف التنمية بسلام، وتتمكن مصر من استكمال ما بدأت فى تحقيق حلم دولة قوية تنتج الغذاء والكساء والدواء، وتصنع ما تحتاجه من مستلزمات ومعدات، ولديها جيش قوى عصرى، له تأثير وتفوق ويد طويلة إقليميا ودوليا.
ما حدث فى مصر على مدار 10 سنوات يمكن وصفه بـ«إعادة صياغة خريطة التنمية الشاملة فى البلاد» وقد تمت هذه العملية وفق رؤية وتخطيط محكم ومنظم، وخبرات فنية وجهود كبيرة، نجحت فى انتشال مصر من الفوضى إلى التنمية والبناء والتحرك فى خطوط واضحة نحو انطلاقة غير مسبوقة فى كل الملفات، التى تبدأ دائما بقوة المؤسسات الوطنية القادرة على كشف مخططات الفتن والفوضى، وكانت ومازالت معالمها فى الطريق الممتد نحو المستقبل، لذلك بات مهما أن نقف جميعا إلى جوار الدولة فى خندقها ضد كل ما يحاول استنزافها أو إدخالها فى دوامة الصراعات والحروب، لتعود من جديد إلى مربع الفوضى، الذى نجت منه، ثم قفزت نحو التنمية.
على مدار السنوات العشر الماضية لم يمر عام واحد دون تحديات وقضايا وإشكاليات معقدة، قد يراها البعض مستحيلة، ومعيقة لكل تحرك للأمام، لكنها مرت بسلام، وتعلمت مصر جيدا منها، واستغلت الفرص قدر الإمكان، بداية من الحرب على الإرهاب، التى بدأت من 2013 لأكثر من 5 سنوات متواصلة، ثم الجائحة العالمية التى قذفت الرعب فى قلوب العالم بأسرة «كورونا»، وما فعلته من تدمير مخطط لاقتصاده وتعطلت معها خطط التنمية فى الفترة من 2019 حتى 2021، ثم ما إن تخفف العالم من إجراءات الوباء، وكمامة الفيروس المستجد، حتى استيقظنا على دوى الحرب العالمية الثالثة، وبوادرها التى ظهرت فى شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، ومازالت تبعاتها ثؤثر على اقتصاد العالم، وتعصف بجهود السلام، وتنذر بمستقبل يحمل الكثير من الشكوك حول الاستقرار واستعادة الهدوء مرة أخرى.
مع كل ما سبق من أزمات عالمية، وما نتج عنها من قضايا ومشكلات إقليمية ومحلية إلا أن الدولة المصرية لم تترك محيطها العربى وأشقائها على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، بداية من الصراع التاريخى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وما قدمته وتقدمه لانتزاع حلول من شأنها ضمان استقرار المنطقة وحقن دماء الشعب الفلسطينى وحماية الأبرياء من ويلات الحروب، ثم تحركاتها نحو الجنوب حيث السودان الشقيق، الذى نجحت فى استعادة الهدوء مرة أخرى داخله ومعاونة مؤسساته الشرعية فى السيطرة على مجريات الأمور به ومواجهة محاولات نشر الفتنة والانقسام، التى تدعمها بعض الأطراف المعادية وتحاول خلق القلاقل والمشكلات على الحدود الجنوبية المصرية، بل تحركت الدولة أيضا بقوة فى الملف الليبى، وواجهت الفوضى على الحدود الغربية المصرية، ومحاولات البعض فى تفخيخ هذه المنطقة وتحويلها إلى بؤرة ملتهبة للصراعات والأزمات، لكن وعى القيادة السياسية المصرية بهذا الملف، وداراستها جيدا لهذه الحالة، جعلها قادرة على وأد هذا المخطط.
وقفت مصر إلى جوار أشقائها بقوة فى الكوارث والأزمات الإنسانية التى واجهتها العديد من الدولة العربية خلال الفترة الأخيرة مثل سوريا، التى عانت من آثار زلزال مدمر، وتم تقديم الدعم اللازم لها، كذلك المغرب، التى تجرعت مرارة الزلزال أيضا وألحق بها خسائر كبيرة، نجم عنها آلاف الضحايا، وأخيرا ليبيا الشقيقة التى جرفت السيول عددا من مدنها، وخلفت معها خسائر مهولة فى الأرواح والمنشآت، فقد حضرت مصر دائما فى المشهد برجالها ومعداتها وقدراتها الكبيرة، وها هى تتحرك لإدخال المساعدات والقوافل الإغاثية لأبناء قطاع غزة والشعب الفلسطينى الشقيق، الذى يعيش فترات صعبة تحت الحصار، وبذلك كانت فى طليعة الدول العربية التى تتحرك لإنقاذ الأبرياء، وقد كان هذا نهجها دائما، باعتبارها الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية، ورمانة الميزان فى استقرار منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وصمام الأمان الحقيقى لدول جنوب المتوسط، لذلك مصر الكبيرة ستظل وتبقى بقيادتها ورجالها المخلصين مهما كانت الظروف والتحديات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة