دخل العدوان على غزة أسبوعه الثانى، وتواصل قوات الاحتلال تدمير كل عناصر الحياة فى غزة، ويقترب عدد الشهداء من الأطفال والنساء من 3 آلاف، فضلا عن تدمير شامل لكل مظاهر الحياة، مع حصار يمنع وصول المساعدات إلى الفلسطينيين فى القطاع، وهذا العدوان الإسرائيلى مدعوم بشكل غير مسبوق من الغرب، والولايات المتحدة التى أرسلت حاملة طائرات لأول مرة إلى المنطقة، واستمرت فى إعلان دعمها للعدوان والتدمير، الذى أصبح لافتا ومحركا لتحركات متظاهرين فى أوروبا وأمريكا بعد أن تعرفوا على الصورة بوضوح، وانتهت الدعايات الإسرائيلية التى قدمت الاحتلال فى صورة المعتدى عليه، بينما تمارس أقسى أنواع الإبادة ضد الشعب الفلسطينى، ونفس الموقف المتواطئ من دول أوروبا والبرلمان الأوروبى.
لم تتوقف الدولة المصرية منذ اللحظات الأولى عن بذل الجهود لوقف العدوان واستمرار إرسال المساعدات إلى غزة، لمواجهة آثار العدوان، ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوته لاستضافة أطراف إقليمية ودولية لوقف العدوان، وأعلن ذلك خلال احتفال الكليات العسكرية نهاية الأسبوع الماضى، وبالأمس ترأس اجتماع مجلس الأمن القومى، حيث تم استعراض تطورات التصعيد العسكرى فى قطاع غزة، وأكد المجلس مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين، وتكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة.
وجدد مجلس الأمن القومى، التشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، مع تأكيد استعداد مصر للقيام بأى جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام، ووجه الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية.
هذه الخطوات التى تتخذها مصر، تسعى لاحتواء أى اتساع للحرب إقليميا، وهى احتمالات واردة فى ظل إصرار الاحتلال وحكومة نتنياهو المتطرفة على السير نحو مزيد من التدمير، ومنع وصول المساعدات، بل وقصف المستشفيات والمستوصفات والأماكن الآمنة، وهو ما حذرت منه المنظمات الإنسانية، وأصبح العالم أمام اختبار أخلاقى، يظهر فى اتساع رقعة الاحتجاجات فى أوروبا والتى سعت الحكومات الأوروبية لوقفها، اعتراضا على حرب إبادة ظاهرة تكشفها الصور والفيديوهات التى تفرض وجودها على العالم.
ورغم حجم الدمار الذى يمارسه الاحتلال فإنه لم يحقق نتيجة غير المزيد من القتل، ومع هذا فإن القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة، ومن الصعب إنكار قوة وتمسك الفلسطينيين، وفشل كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتهرب الاحتلال الإسرائيلى من الاتفاقات التى تمتد إلى عقود، منذ 1991، اتفاقات مدريد ثم أوسلو، ثم غزة أريحا، وضرورة عودة الفلسطينيين إلى غزة والضفة، وتعثرت المفاوضات، وتم إطلاق مبادرة السلام العربية 2022، من قمة بيروت، والتى أطلقها العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتضمنت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، ونالت هذه المبادرة تأييدا عربيا.
إسرائيل لم تتفاعل أو ترد على هذه المبادرة، وواصلت حكومات الاحتلال التوسع، والاستيطان، متخلية عن الالتزام بأى معاهدات، وحقق الفلسطينيون بانتفاضة الحجارة الأولى مكاسب الدولة الوليدة التى ساهم التشتت والانقسام فى تأخيرها، وإبعادها عن الواجهة، وآن الأوان لإعادة القوة للصف الفلسطينى، خاصة وقد انقسم مشروع الدولة الوليدة 2006 واستقلت حماس بغزة وبقيت فتح فى الضفة، وكسروا أهم نقطة حافظ عليها الرئيس ياسر عرفات والمنظمة، وحدة الفلسطينيين.
وعلى مدار سنوات ظلت مصر ترعى المصالحة الفلسطينية، بالكثير من الصبر وتقريب وجهات النظر، انطلاقا من رؤية مصرية ترى أن الفلسطينيين ليس أمامهم سوى الوحدة، وبذلت الدولة المصرية جهودا للمصالحة، حيث تم عقد نحو 20 اجتماعا منذ 2017 برعاية الأجهزة المصرية، دفعت كلها نحو توحيد الصف الفلسطينى، آخرها فى مدينة العلمين الجديدة خلال يوليو الماضى، حيث تم عقد مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، وبمشاركة الفصائل الفاعلة فى المشهد الفلسطينى، لبحث سبل إنهاء الانقسام، ومواجهة التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية، والاتفاق على رؤية وطنية وسياسية موحدة فى مواجهة الاحتلال. وفى كل مناسبة ولقاء يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أهمية وحدة الفلسطينيين بمواجهة التحديات، وتستمر القضية الفلسطينية حاضرة فى كل لقاء يشارك فيه الرئيس السيسى، مؤكدا محورية القضية لمصر والإقليم، ومفتاح الاستقرار فى الإقليم.
وإذا كانت الدولة المصرية تحمل مفاتيح وهموم القضية الفلسطينية، وتؤكد رفضها تصفية القضية، أو ترحيلها ومخططات التلاعب بها، فإن على الفصائل الفلسطينية الانتباه إلى أهمية الوحدة، لإتاحة الفرصة لموقف عربى موحد، يدعم القضية، ما بعد توقف العدوان.