يبدو التعامل الغربي، على الأقل من قبل الأنظمة، مع القضية الفلسطينية صادما، فهي تستخدم خطابا واحدا صلبا لا تقبل فيه النقاش، يتوقف عند السابع من أكتوبر، ولا يتعداه إلى النظر إلى الجرائم الإنسانية التي قام بها الكيان الصهيوني على الأرض، كما يبدو المعيار الواحد الوحيد الذي تستخدمه تلك الأنظمة في صياغة سردية من جانب واحد معيارا لا يعتد بالقيم الإنسانية إلا فيما يخص الجانب الآخر، وهي الرؤية التي ربما صدمت البعض من أشقائنا، غير أنها لا تبدو مفاجئة على الإطلاق إذا أخذنا في الاعتبار كل الخطابات الغربية التي تعاملت مع القضية الفلسطينية منذ تفجرها على يد بلفور.
لكن الأمر يمكن رؤيته من جانب آخر، فالأنظمة الغربية لا تتعامل مع هذه القضية كما تتعامل مع أي قضية أخرى، وربما يجب علينا الربط بين هذا الصراع وبين صراع آخر حضاري وثقافي، لكنه يتخذ شكلا اقتصاديا في مقامه الأول، حيث يظهر الارتباط واضحا من تلك الوجهة بين عدة مناطق متفجرة في العالم في أوكرانيا وأفريقيا ثم في غزة، وكلها تمثل أطراف الصراع فيها تمثيلا لرؤية غربية من ناحية وأخرى شرقية – أو جنوبية – وهي الصراعات التي يبدو بعضها على السطح، والبعض الآخر مبطن، لكنها جميعا تقف على تلك الدائرة التي تجعل التساؤل واضحا في الذهن.
هل يمكن الربط بين التوسع الذي قامت به مجموعة البريكس في ضم أعضاء جدد، وبين كل تلك الصراعات التي تفجرت في أماكن مختلفة بهذه الصورة، خاصة إن أحد هذه الصراعات يطال دولا انضمت حديثا إلى البريكس مثل مصر؟ وهل يمكن اعتبار المحاولات الغربية لجعل مصر مهجرا للإخوة الفلسطينيين هي محاولات لعرقلة تفعيل هذا الانضمام؟
إن حالة الإجماع الغربي على طريقة التعامل مع القضية برمتها، والدور المصري فيها خصوصا، تطرح على السطح مرة أخرى فكرة أن البريكس قد مثل تهديدا، ليس فقط للأنظمة الغربية، بل إن هذا التهديد قد يتسع بالنسبة إلى تلك الأنظمة ليشمل البنية الثقافية التي اعتمد عليها الغرب في السيطرة على العالم الشرقي لعقود، تلك البنية المعتمدة على القنص والتنافس والاستعلاء الغربي من ناحية، وعلى السيطرة على اقتصاد العالم وإعلامه من أجل الترويج لتلك القيم عن طريق تفتيت القوميات لخلق مواطنين عالميين، وهي القيم التي يبدو اتحاد دول الجنوب مهددا واضحا لها، ومن هنا فإن الدخول الغربي على هذه القضايا لن يكون بغرض الحل الإنساني أو المتوازن بل إنه سيرى إن تصعيد النزاع يمكنه أن يكون طريقة لمواجهة تلك الثقافة الجديدة التي يمكنها أن تهدد عرشه الزائف.
ومن هنا يمكن لنا مناقشة فكرة الدور الثقافي الذي يجب أن يلعبه البريكس ودور مصر المحوري في هذا الصدد، فللحديث بقية.