فى الصباح الباكر من الأحد 7 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، تواصلت المعارك لليوم الثانى على الجبهتين المصرية والسورية ضد إسرائيل، ووفقا لمذكرات المشير محمد عبدالغنى الجمسى «حرب أكتوبر 1973»: «قامت قوات الجيشين الثانى والثالث بصد هجمات العدو المضادة، وبدأت معركة القنطرة شرق، لتحرير المدينة، ودارت المعارك الجوية على أشدها، وكانت قوات الصاعقة تشعل النيران فى آبار ومنشآت البترول على الشاطئ الشرقى لخليج السويس».
كان «الجمسى» رئيسا لهيئة عمليات الجيش المصرى، قبل أن يصبح رئيسا للأركان ثم وزيرا للدفاع، ويقدم فى مذكراته صورة عن اليوم الثانى فى الحرب «7 أكتوبر»، قائلا: «اقتربت فى الصباح المبكر من هذا اليوم أعداد كبيرة من الطائرات الإسرائيلية، وصل عددها إلى 160 طائرة تطير على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط فى اتجاه المطارات المصرية فى شمال ووسط الدلتا، وفوق البحر الحمر فى اتجاه مطاراتنا فى الصحراء الشرقية، كانت إسرائيل ما زالت تعيش فى وهم أن سلاحها الجوى قادر على توجيه ضربة قوية ضد مطاراتنا ووسائل الدفاع الجوى، وظنت أنها يمكنها التغلب على شبكة الرادار المصرية وتحقق المفاجأة أثناء هجومها».
يؤكد «الجمسى»: «أيقن الطيارون الإسرائيليون بمجرد اقترابهم من الأهداف المحددة لهم أن قواتنا الجوية وقوات الدفاع الجوى تغيرت جذريا، ووجد الطيارون الإسرائيليون المقاتلات الاعتراضية المصرية فى انتظارهم، وتدخل المعركة الجوية ضدهم، ومن نجح منهم فى تجنب المقاتلات المصرية وتسلل على ارتفاع منخفض فى اتجاه هدفه، وجد نفسه فى نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة على الكتف، ومن حاول الارتفاع هربا من المصير المحتوم، تلقفته الصواريخ سام بضرباتها، وفى نهاية هذا اليوم أسقطنا للعدو 57 طائرة خلال يومى 6 و7 أكتوبر منها 27 طائرة فى اليوم الأول، كما فقدنا 21 طائرة مقاتلة منها 15 فى اليوم الأول».
كانت جلسة المشاورات فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلية «جولدا مائير» كاشفة للأوضاع على جبهات القتال، وفقا لكتاب «انتصار أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية»، إشراف ومراجعة ودراسة الدكتور إبراهيم البحراوى، وعرض موشى ديان وزير الدفاع خلال هذه الجلسة تقريره، قائلا: «فيما يخص موازين القوى ليس هذا هو الوقت المناسب لمحاسبة النفس. إننى لم أقدر جيدا قوة العدو، ولا قدرته القتالية، بينما بالغت فى تمجيد قواتنا وقدرتها على الصمود. إن العرب يقاتلون بشكل أفضل بكثير من ذى قبل، لديهم الكثير من الأسلحة، وهو يصيبون دبابتنا بأسلحة خاصة».
ويضيف «ديان»: «كل ما يملكه اليهود وزعناه حتى أطقم الدبابات والطيارين لا توجد بوفرة، سيسقط كثير من الأفراد، أرسل المصريون أسرانا حاملين الرايات لإقناع أحد مواقعنا بالاستسلام، تكبدنا مئات الخسائر فى الأرواح، وهناك الكثير من الأسرى، كل من فقدناهم كانوا أثناء القتال الضارى حتى آخر لحظة».
وفيما كان هذا التفوق العسكرى يتواصل، قرر الرئيس السادات فتح قناة الاتصال المباشر مع أمريكا، فبعث برسالة إلى هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، وقعه باسم حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى، حسب تأكيد محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73- السلاح والسياسة»، وأثارت هذه الرسالة جدلا كبيرا، حيث احتوت على بنود أكثرها إثارة بند يقول: «لا تعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة».
ويفسر حافظ إسماعيل هذا البند فى مذكراته «أمن مصر القومى فى عصر التحديات»، قائلا: «التزمنا بعدم تعميق الاشتباكات، فلا يقحم المدنيون فى المراكز الآهلة بالسكان فى عمق البلاد أو الأهداف الاقتصادية، وكان هدفنا هو تأمين مراكزنا السكانية والاقتصادية، والتزمنا بعدم توسيع جبهة المواجهة، وذلك بتجنب إقحام المصالح الغربية فى منطقتنا تجنبا للأضرار باقتصاد شعوب اليابان وأوروبا الغربية».
فهم كيسنجر العبارة على نحو مختلف، كما يذكر فى مذكراته وينقل «الجمسى» منها قوله بوضوح: «هذه الجملة الواردة فى المذكرة لا تخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة فى متابعة العلميات العسكرية ضد إسرائيل، بعد الأراضى التى كسبتها، أو تحمل أمريكا كامل مسؤولية ما يحدث كما فعل عبدالناصر عام 1967».
يعلق «هيكل»: «كانت أول مرة-ربما فى التاريخ كله- يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة، ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حرية فى الحركة السياسية والعسكرية على النحو الذى يراه ملائما له وعلى كل الجبهات، ذلك أن هذا التعهد بعدم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة معناه بالنسبة لإسرائيل، وقد كانت الرسالة فى نهاية المطاف أنها تستطيع أن تعيد ترتيب موقفها بأعصاب هادئة، وتستطيع تنظيم أولوياتها، وقد كان ذلك ما حدث فعلا، واختارت إسرائيل الواثقة من نوايا الجانب المصرى أن تركز كما تشاء على الجبهة السورية، ثم تعود بعد ذلك إلى الجبهة المصرية لتصفية باقى الحسابات، ومن سوء الحظ أن «كيسنجر» فهم الرسالة بما تعنيه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة