بجانب الحرب على غزة، والتى يشنها الاحتلال على مدار 7 أسابيع مضت، هناك حرب أخرى تبدو فى الأفق، وتفرض نفسها على الحروب عموما، وهى الحرب الدعائية من منصات الإعلام الغربى، والأمريكى خصوصا، والتى تعكس انحيازا ينسف أى حديث عن المهنية والحياد، أو حتى التمسك بالحد الأدنى من الأخلاق الإنسانية التى تتعاطف مع أطفال غزة بصرف النظر عن الموقف السياسى، ربما يكون هذا أمرا معروفا منذ عقود، حيث اعتاد الإعلام الأمريكى التعامل بانحياز واضح، مع تدمير العراق وتبنى أدلة مزيفة، أو مع حروب أنتجت الإرهاب، كان الانحياز معروفا للمتابعين، باستثناء المغيبين أو من يملكون شعورا بالدونية أمام الغرب.
منذ العدوان على غزة، بدا الانحياز الغربى والأمريكى للرواية الإسرائيلية والصهيونية واضحا، وهى ليست المرة الأولى التى يتم فيها توظيف المنصات الافتراضية فى الحرب، وتتخذ موقفا منحازا للعدوان، لكن الجديد خلال المواجهات الأخيرة، هو انحياز منصات التواصل الاجتماعى الكبرى خاصة «ميتا» أو فيس بوك وتوابعه إنستجرام وغيره، ليس فقط الانحياز للعدوان، بل أيضا لترويج الكراهية طالما كانت ضد الفلسطينيين، بينما تحذف أى منشورات تتعاطف مع أطفال غزة حتى لو خلت من أى تحريض، بل هى ضد الكراهية والقتل، وربما تمرر هذه المنصات صورا ومقاطع مزيفة.
ولهذا اتهم آلاف المستخدمين منصة «ميتا» بتقييد وصول المنشورات، التى تظهر الحقيقة، أو تطالب بوقف العدوان أو تستنكر قتل الأطفال، أو حرب الإبادة، حيث يجرى حجبها أو إزالتها من فيسبوك وإنستجرام، حتى لو كانت لا تنتهك قواعد المنصات، وقد اعترفت شركة «ميتا» أن بعض تلك المنشورات تم إخفاؤها عن الأنظار، لكنها بررت ذلك بخطأ تقنى فى أنظمة الشركة، وحسب صحيفة NY times الأمريكية، قال المستخدمون، «إن رسائل الدعم للمدنيين الفلسطينيين، الذين شرد العديد منهم أو أصيبوا أو قُتلوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، تم إخفاؤها من المنصات».
السبب التقنى، مجرد حجة، لكن الأمر يتكرر دائما مع كل عدوان على غزة ففى مايو 2021 عندما كانت قوات الاحتلال تقصف غزة كان نفس السلوك من قبل فيس بوك، ويومها ارتفعت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعى لوضع علامة «التقييم السلبى» بنجمة واحدة، لعدة تطبيقات تواصل اجتماعى من بينها «فيسبوك»، بعد اتهام التطبيق بالتضييق على المحتوى الفلسطينى وحظر منشورات وحسابات بشكل جزافى، دون أن تحمل مخالفات صريحة لمعايير النشر على المنصة، وتم اتهامها بـ«العنصرية ضد الفلسطينيين» وانحيازها لإسرائيل، وهو ما يعنى أن الأمر ليس خطأ تقنيا، لكنه واقع يتكرر فى كل موقف، وأيضا فإن نفس المنشورات التى توصف بالكراهية، تمر طالما كانت لصالح العدوان، وأيضا يمتد الأمر الى اتهامات لهذه المنصات بتوظيف الخوارزميات لخدمة الفوضى، والكراهية مع حجب ما يخالف اتجاهات الولايات المتحدة، وكان مارك زوكربيرج قد اتخذ منذ البداية موقفا منحازا لصالح العدوان وليس فقط معاديا لحماس أو المقاومة.
وفى 30 يونيو 2022 اتهمت لجنة دعم الصحفيين فى فلسطين مواقع التواصل الاجتماعى، على اختلاف أنواعها وعدد أسمائها، باتباع سياسة الانحياز لإسرائيل من خلال تقييد الوصول إلى المحتوى الفلسطينى ومحاربته.
وقالت اللجنة، بمناسبة الاحتفالات الدولية باليوم العالمى لمواقع التواصل الاجتماعي، إنه بات واضحا أن إدارات مواقع التواصل الاجتماعى تخضع للضغوط والسياسات الإسرائيلية فى طمس الصوت الفلسطينى ووضع قيود على أى محتوى يُظهر جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطينى ومقدساته، وتقوم بتقييد الوصول إلى المحتوى الفلسطينى ومحاربته، وأكدت لجنة دعم الصحفيين أنها سجلت أكثر من 98 انتهاكا بحق المحتوى الفلسطينى، حيث أقدمت شركات مواقع التواصل الاجتماعى على حذف وحظر وتقييد الكثير من المواقع الإخبارية والقنوات عبر «يوتيوب» و«إنستجرام» و«فيسبوك» .
وبالتالى هى ليست المرة الأولى أو الأخيرة التى يتخلى فيها الإعلام الغربى عن مهنيته و«حقوقيته» ومبادئه عندما يتعلق الأمر بأطفال أبرياء ماتوا تحت القصف، وفى مستشفيات تم قصفها، ويتم حجب منشورات من يريد التضامن مع آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى من الأطفال والنساء والمدنيين فى غزة، الذين يواجهون حرب إبادة وتجويع وحصار، بينما يتفرج العالم «الأبيض».
ويكشف العالم الافتراضى السيبرانى، عن انحياز آخر وفج ضد الضحايا والحقيقة، حيث يتم حذف أى بوستات لا تتناسب مع المزاج العدوانى وحرب الإبادة، بل إن خوارزميات فيس بوك أصبحت صديقة للاحتلال، وأغلب مستخدمى الموقع أصبحوا يواجهون عدم انتشار بوستاتهم المتعاطفة مع المدنيين، أو صور الأطفال والنساء الذين تم قتلهم، وبالتالى فإن الأمر يتجاوز أخطاء تقنية، إلى خوارزميات وصفتها سابقا بأنها «خوارزميات ضد الإنسانية»، وأصبحت تتجاوز التنوع فى الرأى إلى التسامح مع قتل الأطفال.