جُملةٌ من الرسائل المُهمّة حملتها الانتخاباتُ الرئاسية. أيّام التصويت الثلاثة اختزلت ما يُمكن أن يُكتَب فى مُطوّلاتٍ من التنظير والتحليل، وبعيدًا ممَّن يذهبون إلى القراءة السطحية والتفسيرات السهلة؛ فإن المشهد فى جوهره كان مرُكّبًا وغنيًّا بالدلالات، من أوَّل الظَّرف الذى جرت فيه العملية، مُرورًا بخريطة التنافس، ومواقف القوى السياسية والشارع، وُصولاً إلى النتائج وما يترتَّب عليها؛ فيما يخص منظومة الحُكم والسياسات المُقترحة للمرحلة المُقبلة، أو داخل الأحزاب التى خاضت السباق، أو اشتبكت معه، أو أحجمت عنه. تحقَّقت الفائدة الكُبرى بالمشاركة والزخم؛ إنّما الإفادةُ الكاملة تظلُّ رهينةً لأن يُحسِن المعنيِّون بالمجال العام استقبال الإشارات، وتفكيك معانيها المُضمَرة، وإعادة تقييم الأفكار وتقويم الأداء بما يُناسب الامتحانات الجديدة. سيتركُ الاستحقاقُ أثرًا بارزًا على البيئة الحزبية، وفى النظرة للمُعارضة والمُوالاة، ولا أحد سيُغادرُ محطَّته كما دخلها. شىءٌ من التغيير أفرزته الجولة بكلِّ حُمولاتها، وينبغى أن ينعكس على الأفكار وخطط العمل؛ وإلَّا فقد يُفاجأ كثيرون بأنهم خارج الصورة واهتمامات الجمهور.
النتائجُ النهائية الاثنين المقبل، بعدما تنتهى «الهيئة الوطنية» من استقبال الطعون وفحصها، وإضافة حصيلة تصويت الخارج؛ لكنَّ مُؤشِّرات الحصر العددى تُشير إلى إقبالٍ قياسى؛ ربما يتفوَّق على أعلى نسبةٍ رئاسية سابقة بنحو عشرين نقطة، كما تُشير إلى تفوُّقٍ كاسحٍ للمُرشَّح عبدالفتاح السيسى، وتكشف عن ملامح الصراع على المراكز بين الثلاثة الباقين.. للإدارة السياسية نصيبٌ من الجُملةِ البليغة التى صاغها المُتدفّقون على اللجان؛ لكنَّ الحظ الأكبر فيها للأحزاب التى فى السباق وخارجه. والملمحُ الأوَّل أن المُنافسةَ أُدِيرت فى نطاقٍ مكشوف، ولم تُسجِّل حملاتُ المُرشَّحين الأربعة، فيما أعلنته أو صرَّحت به، أيّة مُلاحظات على أعمال التصويت والفرز؛ ما يعنى أن الهيئة قد لا تتلقَّى طعونًا فى الأجل المُحدَّد، اليوم الخميس، وستنقضى مُهلة الفصل فى اليومين التاليين، وتُعلَن النتيجةُ فى موعدها من دون اعتراضٍ أو مُنغّصات. ولعلَّها سابقةٌ أن تمرَّ انتخاباتٌ كُبرى، فى قيمتها وحضورها، ولا يختلف أطرافها على كثيرٍ أو قليل؛ باستثناء الغبار الذى حاول البعض إثارتَه قُبيل التجربة، وانقشع سريعًا بعدما داسته أحذيةُ المُصطفِّين فى طوابير الاقتراع.
عندما أراد الإخوان اختطاف الدولة فى 2012؛ تعلَّلوا بأن ستّةً وعشرين مليونًا صوَّتوا فى انتخاباتٍ رئاسية فاز بها مُرشَّحُهم. وحينما ردَّ أصحابُ الأصوات عليهم بأكثر من تلك الأعداد فى شوارع 30 يونيو؛ تجاهلوا منطقَ الأغلبيّة واعتصموا بالصناديق على طريقة «قميص عثمان». والجديد فى انتخابات 2024 أنها تجمع الأمرين: حشود الثورة وشرعية الصندوق. هكذا يقرأُ المصريّون الفاتحةَ على روح السرديَّة الإخوانية للأبد، ويضعون الورود على مراقد بعض الأحزاب الهشَّة؛ وقد عجزت عن الحشد للمُشاركة أو الإحجام، وأخفقت أن تكون رقمًا صعبًا فى المنافسة، بالأصالة أو الوكالة. يترتَّب على ذلك أن ينزل المُنعزلون من أبراجهم العاجية، وأن يصعدوا إلى الشارع. الفكرةُ التقليدية أن اتّصال النُّخب بالقواعد من أعلى لأسفل، والمُستجدّ اليوم أن العوام صاروا أكثر واقعيةً وديناميكية من الطليعة، ووضعوا السياسة فى مدارها الطبيعى؛ لناحية أنها شراكةٌ إجباريّة وجدلٌ دائم، وتتحسَّن بتراكُم الخبرة والنضالات السلمية، وليس بالشعارات وتقطيع المراحل وإدمان البداية من الصفر.
كانت التجاربُ التعدُّدية السابقة مُشوّهةً أو منقوصة؛ والنسخة الأخيرة ربما تكون الأفضل.. فى 2005 تنافس عشرةُ حزبيِّين فى غيابٍ كامل للأحزاب، حتى أن نصفهم الأخير جمعوا أقل من نصف فى المائة من الأصوات؛ وحُمِلَت تجربةُ الثلاثة الأوائل على سطوة الأغلبية أو العاطفة وخطابات الهجاء السياسى. وبعد 25 يناير تنافس ثلاثة عشر مُرشَّحًا بينهم ستّةُ حزبيِّين، وقد حلّوا جميعًا فى آخر القائمة؛ باستثناء مندوب الإخوان، الذى راهن على مناخ الاستقطاب وجاذبية المُزايدة والشعارات الدينية. أمَّا اليوم فإن الحزبيِّين الثلاثة فى المُنافسة استندوا إلى كياناتهم، وغابت «كاريزما الفرد» وراء واجهة الأيديولوجيا والبنية التنظيمية. صحيح أنّ المُؤشِّرات تُفصح عن هشاشةٍ ما؛ إلّا أنها مُقدمةٌ صالحةٌ للبناء وترقية التجربة بالمُمارسة والتكرار، لا سيّما لو التمسنا العُذرَ فى أن تجارب الجمهور مع الأحزاب لم تكن مثاليةً؛ فما قبل 2011 هيمنت عليها الصراعات والمصالح الشخصية، وفيما بعدها استكانت للإخوان أو انسحقت أمامهم، ولم تخُض المعركةَ المدنيةَ كما يتوجَّب، ثم بعد «30 يونيو» تخبّطت بين السؤال الوطنى الملحاح، والأجوبةِ السياسية غير المُلائمة للسياق. كأنها اليوم تعودُ إلى رُشدِها؛ بغَضّ النظر عن أيّة مُناكفات أو دكاكين ما زال أصحابها مُقيمين فى الماضى.
فاز الرئيس السيسى مرَّتين سابقتين: فى الأولى أيّدته أغلبُ الأحزاب من كلِّ التيارات، وأحجمت بعض أجنحة اليسار الضعيفة، وشارك الناصريّون بمُرشَّح تحت عنوان «الهالة الفردية» وليس الأيديولوجيا أو البرنامج؛ فحلَّ ثالثًا بعد الأصوات غير الصحيحة. وفى نُسخة 2018 أُرِيدَ أن تكون مُكاسرةً بين السياسة والثورة، وتصوَّر البعضُ أن غيابهم سيسلبُ المشهدَ شرعيّته. إلى اليوم، هناك فريقٌ ينظر للسلطة باعتبارها تفاحةً ستسقطُ فى حِجره دون جهدٍ أو عمل؛ لكنَّ آخرين استوعبوا أنَّ الغياب لا يُؤذى أحدًا سوى الغائبين. هكذا تحلَّل «المصرى الديمقراطى» مثلاً من مُراهقةِ أصدقائه القدامى، وحاول «الوفد» البناءَ على ما انقطع منذ 2005، وتشجَّع «الشعب الجمهورى» رغم حداثةِ النشأة والتجربة؛ ولعلّ الشعبَ نفسه تحرَّك من المنظور نفسه؛ رهانًا على فاعليّة الحضور، أو استشعارًا لاستثنائيّة اللحظة؛ رغم كل ما يُغلِّفها من ضغوطٍ ودعايات.
الظاهرُ من المُؤشِّرات أن نسبة «السيسى» قلَّت عمّا كانت عليه فى الاستحقاقين السابقين؛ وزادت مُعدَّلات المُشاركة بما يفوق كلَّ التجارب المصرية، فى الرئاسة أو البرلمان. ربّما تأثَّرت قاعدةُ التصويت القديمة للرئيس بفعل الإجراءات الإصلاحية وأوضاع الاقتصاد، وهو نفسه قال سابقًا إنه اتَّخذ إجراءاتٍ ضروريةً على حساب شعبيته؛ لكن احتمالاً آخر بأن يكون تحرُّك الأرقامِ ناتجًا عن انخراط فئاتٍ جديدة ممَّن لم يُشاركوا من قبل؛ خصوصًا أنَّ تراجُعَ النسبةِ يُرافقه صعودٌ فى أعداد الناخبين، وفى كُتلة المُصوِّتين له: فمن مستوى ما فوق العشرين مليونًا فى تجربتيه الماضيتين؛ يُرجَّح أن يتجاوز الثلاثين تلك المرَّة. وهنا رسائل عديدة للقيادة وعنها: الأُولى أنَّ وعيًا عميقًا يتجذَّر فى الشارع بأننا إزاء ظرفٍ طارئ ويُوجِب الاصطفاف، وأن مسائل الداخل مُهمّة؛ لكنها ليست أهم من الأمن القومى المُهدَّد عند الحدود الشرقية، ولم يفقد الشعبُ إيمانًه ببرنامج التنمية أو ينقلب على أولويّاته القائمة، ثمَّ إنّ السبيل الوحيد لإنضاج التجارب بالسياسة وحدها، ولا بديل عن أَخْذ الأمور بجدّية رغم أيَّة إحباطات أو دعاوى مُلوَّنة.
أمَّا فيما يخصّ الأحزاب. يتنازع فريد زهران وحازم عمر على الوصافة، والحضور الحزبى للأوَّل من مُخرجات حالة يناير، والثانى ابن مُباشر ليونيو، وبينهما بَونٌ شاسعٌ فى الأيديولوجيا والنظرة للاقتصاد والسوق. لم تعُد الأسبقيّةُ الزمنية، ولا دغدغةُ المشاعر بالعناوين الاجتماعية غير القابلة للإنفاذ، معيارًا فى تقييم كفاءة الاتصال بالناس؛ لكنّ الناخبين جميعًا يتّفقون على أن «يونيو» امتداد لـ«يناير» من دون الإخوان، وأنهما يُشكّلان معًا مزيجًا من فلسفتى التغيير والإصلاح؛ وإن ترجَّحت كفَّة الأحدث حال تفوَّق «عمر» أو حلّ تاليًا لزهران؛ لأن بطاقة السباق ذهبت إلى «السيسى» بما يُمثِّله من رمزيّة وطنية ومدنيّة فى مُواجهة الأُصوليّة الدينية، وبالحضور الذى سجَّله، شخصيًّا ومؤسسيًّا، أمام الإخوان إبان التهديد الوجودى للدولة على يد الجماعة.. والإشارة فى ذلك؛ أن الفصل بين 2011 و2013 ليس مُقبولاً من الجمهور، والجمع بينهما لا يتحقَّقُ إلّا بالأدوات السياسية، وبعيدًا تمامًا من قاموس التزيُّد والابتزاز، أو انتهاج مسارات القطيعة والصدام.
ولعلَّ الرسالةَ الأكثر إيلامًا تخصُّ حزب الوفد. فمن ناحيةٍ هو الأعرقُ فى البيئة الحزبية، ولديه رصيدٌ وافر من التاريخ والتنظيم والنضج الفكرى؛ لكنّه تخبَّط منذ الثمانينيات، بين التحالف مع الإخوان، أو التخفِّى وراء لغةٍ كلاسيكيّة وإيقاعٍ رتيبٍ ما بعد مرحلة الثورة والفوضى. فى تجربته الأولى 2005 نافس برئيسه نعمان جمعة، وحلَّ ثالثًا بين عشرةٍ بنسبة تُقارب 3 % من مجموع الأصوات. واليوم يحلّ رئيسه أخيرًا، وقد لا يصل لنصف النسبة السابقة. وخلفَ الأرقام ما هو أكبر: راهن «جمعة» قديمًا على خطابٍ زاعق وحنجوريّة مُفرطة، ولم يُمثِّل الروح الوفدية بالكياسة والرصانة المعهودتين عنها، بينما انحاز «يمامة» حديثًا إلى لُغةٍ باردة تغيب عنها الحماسة والإتقان، ولا تطرحُ أفكارًا مُعمَّقةً ولا بدائل قادرة على الإقناع، وتورَّط أحيانًا فى حُمولات شعبويّة تفتقد الدقَّة والإحكام والمعرفة الفنية، وفى الحالين لم يكن مُمثِّل الحزب محلَّ إجماعٍ من القواعد؛ وإن كان ذلك أوضح فى 2024، وقد بدا أن المُرشَّح الوفدى يخوض السباق بالقدر الأقل من دعم الوفديِّين؛ لا سيما بعد مُشاحناتٍ داخليّة، ونزاعاتٍ خرجت إلى العَلَن على بطاقة الترشّح.
كثيرون حكموا على أنفسهم بالخروج من المشهد، عندما غابوا وحضر الجمهور؛ لكن العودةَ ما زالت مُمكنة. إن كانت خُلاصة الانتخابات تمضى إلى مُكافأة المُرشَّح المُستقل؛ فإن تفاصيلها لا تخلو من منافع للأحزاب، وقد كانت غائبةً عن وعى الناس، واليوم تستقطع حصةً ملموسة من أصواتهم. ويُمكن القول إن «هالة الأيديولوجيا» التى أطفأتها المُراهقة والنزاعاتُ الخفيفة، تعود للتوهُّج ببطءٍ وعلى ركائز أكثر نضجًا. فالسياسة أداةٌ سلميَّة لإدارة الصراعات، كحال كُرة القدم، وعليه فإنها مُباراةٌ أكثر من كونها حربًا؛ لكنها مُباريات دورى لا كؤوس، وتُحسَم بالنقاط لا بإطاحة المهزوم، ومراكزها الأُولى مُؤهّلةٌ للالتحاق ببطولاتٍ إضافية. وقد يصحُّ التوقُّع بأن تكون حظوظ أحزاب المنافسة الرئاسية أفضل فى البرلمان المقبل عما كانت عليه فى 2015، وربما ينسحب ذلك على المحلّيات والنقابات، وبصورةٍ لاحقة فى كشوف العضوية وصَقل الكوادر وتنشيط ورش ومنتديات الفكر والتأهيل.
الأحزابُ بالضرورة من مرافق الإصلاح لا الثورة، وإن كان فريقٌ منها لم يتجاوز خيام التحرير بعد؛ فإنّ حالة الانتخابات سترُدّها إلى حيويّة الحاضر أو تُحوّلها أطلالاً ومتاحف.. أثبت الشعبُ أنه لا ينفتح بأيّة درجة على مُحاولات الحسم خارج الصندوق؛ سواء كانت تحت لافتة السلبية أو الفوضى. ونسبةُ المُشاركة القياسية لا تُحصِّن المشهدَ فقط؛ إنما لا تتركُ خيارًا لأهل السياسة إلا أن يسيروا وراء الجمهور، على أمل أن يستعيدوا بريقَهم المفقود، ويتقدّموا الصفوف بكثيرٍ من الكدح والاجتهاد. أمَّا نسبةُ التأييد العالية التى يبدو أنها تُصاحب الفائز؛ فسيكون لها أثرٌ مُباشر على البيئة المدنيّة بكاملها. لم تستجبْ الدولةُ للضغوط الدوليّة ولا لسطوة الإرهاب بعد 2013، ومَضَت فى مشروعها المدعوم بإرادةٍ شعبية فى الأمن والاستقلال؛ حتى استعادت اعتراف العالم واحترامه بالصلابة والدبلوماسية الجادة. وعندما دعا الرئيس إلى «الحوار الوطنى» ربيع 2022؛ كان يُترجِم نُضجًا للتجربة من داخلها، وباشتراطاتٍ موضوعيّة تُنشئها الحاجة الوطنية، وليس مُكايدة الخارج أو ابتزاز الداخل. وما بعد الانتخابات سيكون مُعزَّزًا بحالة الوفاق والإيجابية الراهنة، ما يُرشِّح أن يستمر التقدُّم على طريق الانفتاح، وتفعيل المجال السياسى، وامتداد ورشة الحوار لتستكمل ما تبقَّى من جولتها الأولى، وتجترح ملاحق من القضايا القائمة أو الناشئة، وقد عبَّر الرئيس كثيرًا عن اهتمامه بالطاولة الجامعة، ورغبته فى أن تكون نهجًا أصيلاً تُفحَصُ من خلالها كلُّ الملفّات بتشاركيّةٍ حقيقية ومُتوازنة.
أفرزت الجولةُ ملامحَ حقبةٍ من ستّ سنوات. القيادةُ الجديدة مدعومةٌ بالتفافٍ واسع أنتجته الصناديق؛ لكنها مُنفتحة على المنافسين مثل الداعمين، وعلى الخصوم قبلهم جميعًا؛ إلّا الذين يُعادون مصر أو ولغوا فى دماء أبنائها وعكّروا نهر استقرارها. يتوجّب انتهازُ الفرصة لترقية الأبنية الحزبيّة، وترصيص الصفوف استعدادًا لمُنافسة البرلمان، والتحضُّر منذ الآن لرئاسيّات 2030.. الافتتان بالبطء والجُمود وسَدّ الأبواب المُشرعة ليس من السياسة ولا النضج، ولعلّ الذين خاصموا المشهد مُطالَبون بالاعتذار لجمهورهم، والذين اختصموه أحوج لإبداء الندم على إهدار الوقت وتصويب النار نحو أقدامهم. المُقاربةُ الجادة يجب أن تُثيرَ أسئلةً مفصليّة عن الطيف الحزبى، ومُقترحات الدمج والائتلافات، والجبهةُ المُؤيِّدة سيُعاد تشكيلها وقد صار أحدُ أحزابها مُنافسًا بارزًا، والمُعارضة فى احتياجٍ لتجفيف مياهها الآسنة وجَبْر التناقضات، بعدما طعن كيانها الأكبر أحد رموزه غدرًا، وبات بإمكان المطعون أن يقود تيّارًا مُعارضًا فى المستقبل. هذه مُجرّد أمثلة وعناوين لما يجب أن يكون محلَّ مُناقشةٍ ودَرس؛ لكنّ الخُلاصة أننا إزاء مشهدٍ جديد، لا شىء فيه من القديم سوى ثبات «ميثاقية 30 يونيو» وتجديد شرعيّتها، وكلّ ما دونه قابلٌ لإعادة البناء والتشكيل.. صَوَّت المصريّون بكثافةٍ لا شكَّ فيها، وأُعلِنت الأرقام على مرأى الجمهور، وتبتسم بعض الأحزاب بينما تبتلع غيرُها مرارةَ التهاون والتقصير، وفى القلب من كل ذلك فازت مصر، وتأكَّد أنه لا عودة للوراء؛ أكانت تحت عمامة الأُصوليّة، أو وراء أقنعة الشعبويّة والشعارات الساخنة؛ إذ لا بديل عن العقل، ثم المُمارسة الدؤوب؛ على شرط انتزاع المكاسب بالمُثابرة والتراكُم واحترام الجمهور، وليس بتضليله والتعالى عليه، ولا توريطه فى عاطفةٍ ساذجة أو نزوةٍ طائشة.